وقيل : بلوغ الحلم عن الشعبي وقيل : وقت قيام الحجة عليه عن الحسن وقيل : هو أربعون سنة وذلك وقت انزال الوحي على الأنبياء ، ولذلك فسّر به فقال (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) فيكون هذا بيانا لزمان الأشدّ ، وأراد بذلك أنّه يكمل له رأيه ويجتمع عليه عقله عند الأربعين سنة (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي الهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) قد مرّ تفسيره في سورة النمل (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) أي اجعل ذرّيتي صالحين عن الزجاج وقيل : انه دعاء باصلاح ذرّيته لبرّه وطاعته لقوله أصلح لي وقيل : انه الدعاء بإصلاحهم لطاعة الله عزوجل وهو عبادته ، وهو الأشبه ، لأنّ طاعتهم لله من برّه ، لأنّ اسم الذرية يقع على من يكون بعده وقيل معناه : اجعلهم لي خلف صدق ، ولك عبيد حق ، عن سهل بن عبد الله (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) من سيّئاتي وذنوبي (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) المنقادين لأمرك.
١٦ ـ ٢٠ ـ ثم أخبر سبحانه بما يستحقّه هذا الإنسان من الثواب فقال (أُولئِكَ) يعني أهل هذا القول (الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أي يثابون على طاعاتهم والمعنى : نقبل بايجاب الثواب لهم أحسن أعمالهم وهو ما يستحق به الثواب من الواجبات والمندوبات ، فإنّ المباح أيضا من قبيل الحسن ولا يوصف بأنّه متقبل (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) التي اقترفوها (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) أي في جملة من يتجاوز عن سيئاتهم وهم أصحاب الجنة ، فيكون قوله في أصحاب الجنة في موضع نصب على الحال (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) أي وعدهم وعد الصدق ، وهو ما وعد أهل الإيمان بأن يتقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم إذا شاء أن يتفضل عليهم بإسقاط عقابهم أو إذا تابوا والوعد الذي كانوا يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) إذا دعوه إلى الإيمان (أُفٍّ لَكُما) وهي كلمة تبرّم يقصد بها إظهار التسخّط ومعناه : بعدا لكما وقيل معناه : نتنا وقذرا لكما كما يقال عند شمّ الرائحة المكروهة (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) من القبر وأحيا وأبعث (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) أي مضت الأمم وماتوا قبلي فما أخرجوا ولا أعيدوا وقيل معناه : خلت القرون على هذا المذهب ينكرون البعث (وَهُما) يعني والديه (يَسْتَغِيثانِ اللهَ) أي يستصرخان الله ويطلبان منه الغوث ليتلطف له بما يؤمن عنده ، ويقولان له (وَيْلَكَ آمِنْ) بالقيامة وبما يقوله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث والنشور والثواب والعقاب (حَقٌّ فَيَقُولُ) هو في جوابهما ما هذا القرآن وما تزعمانه وتدعوانني إليه (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي أخبار الأوّلين وأحاديثهم التي سطروها وليس لها حقيقة ، والآية عامّة في كل كافر عاق لوالديه ، عن الحسن وقتادة والزجاج ، قالوا : ويدل عليه انه قال عقيبها (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ) أي حقت عليهم كلمة العذاب في أمم : أي مع أمم (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) على مثل حالهم واعتقادهم. ثم قال سبحانه مخبرا عن حالهم (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) لأنفسهم إذ أهلكوها بالمعاصي (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) أي لكل واحد ممّن تقدم ذكره من المؤمنين البررة ، والكافرين الفجرة درجات على مراتبهم ، ومقادير أعمالهم ، فدرجات الأبرار في علّيين ، ودرجات الفجّار دركات في سجين (وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ) أي جزاء أعمالهم وثوابها ومن قرأ بالياء فالمعنى وليوفّيهم الله أعمالهم (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بعقاب لا يستحقونه ، أو بمنع ثواب يستحقونه (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يعني يوم القيامة ، أي يدخلون النار كما يقال : عرض فلان على السوط وقيل معناه عرض عليهم النار قبل أن يدخلوها ليروا أهوالها (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) أي فيقال لهم : آثرتم طيباتكم ولذّاتكم في الدنيا على طيّبات الجنة