العذاب أم لا (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) أي لست أتبع في أمركم من حرب أو سلم ، أو أمر أو نهي إلّا ما يوحي الله إليّ ، وما يأمرني به (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي مخوّف لكم ظاهر (قُلْ) يا محمد لهم (أَرَأَيْتُمْ) معناه : أخبروني ماذا تقولون (إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي ان كان هذا القرآن من عند الله هو أنزله ، وهذا النبي رسوله (وَكَفَرْتُمْ) أنتم أيها المشركون به (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) يعني عبد الله بن سلام (عَلى مِثْلِهِ) معناه : عليه ، أي على انه من عند الله (فَآمَنَ) يعني الشاهد (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) أنتم على الإيمان به والجواب قوله ان كان من عند الله محذوف وتقديره ألستم من الظالمين ويدلّ على هذا المحذوف قوله (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقيل جوابه : فمن أضلّ منكم عن الحسن وقيل : جوابه أفتؤمنون.
١١ ـ ١٥ ـ ثم أخبر سبحانه عن الكفار الذين جحدوا وحدانيّته فقال (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) أي لو كان هذا الذي يدعونا إليه محمد خيرا : أي نفعا عاجلا أو آجلا ما سبقنا هؤلاء الذين آمنوا به إلى ذلك ، لأنّا كنّا بذلك أولى ؛ واختلف فيمن قال ذلك فقيل : هم اليهود قالوا : لو كان دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم خيرا ما سبقنا إليه عبد الله بن سلام عن أكثر المفسرين وقيل : إنّ أسلم وجهينة ومزينة وغفارا لما أسلموا قال بنو عامر بن صعصعة وغطفان وأسد وأشجع هذا القول ، عن الكلبي (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) أي فإذ لم يهتدوا بالقرآن من حيث لم يتدبّروه فسيقولون : هذا القرآن كذب متقادم ، أي أساطير الأولين. ثم قال سبحانه (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) أي من قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة (إِماماً) يقتدى به (وَرَحْمَةً) من الله للمؤمنين به قبل القرآن ، وتقدير الكلام : وتقدمه كتاب موسى إماما فلم يهتدوا به ، وذلك ان المشركين لم يهتدوا بالتوراة فيتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان ، ويعرفوا منها صفة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَهذا كِتابٌ) يعني القرآن (مُصَدِّقٌ) للكتب التي قبله (لِساناً عَرَبِيًّا) ذكر اللسان توكيدا كما تقول جاءني زيد رجلا صالحا ، فتذكر رجلا توكيدا (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي لتخوّفهم ، يخاطب النّبيّ صلىاللهعليهوآله (وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) وبشارة للمؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) أي وحدّوا الله تعالى بلسانهم ، واعترفوا به ، وصدّقوا أنبياءه ، (ثُمَّ اسْتَقامُوا) استمرّوا على أن الله ربّهم وحده ، لم يشركوا به شيئا ، عن مجاهد ، وقيل معناه : ثم استقاموا على طاعته ؛ وأداء فرائضه ، عن ابن عباس ، والحسن وقتادة وابن زيد (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من العقاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) من أهوال يوم القيامة (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) الملازمون لها ، المنّعمون فيها (خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) في الدنيا من الطاعات ، والأعمال الصالحات (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) مرّ تفسيره (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً) أي بكره ومشقّة عن الحسن وقتادة ومجاهد ، يعني حين أثقلت وثقل عليها الولد (وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) يريد به شدّة الطلق عن ابن عباس (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) يريد انّ أقل مدة الحمل ، وكمال مدّة الرضاع ثلاثون شهرا قال إبن عباس : إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت أحدا وعشرين شهرا ، وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) وهو ثلاث وثلاثون سنة عن ابن عباس وقتادة