بالمؤمنين (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) أي من آدم وحواء والمعنى : انّكم متساوون في النسب لأن كلكم يرجع في النسب إلى آدم وحواء. زجر الله سبحانه عن التفاخر بالأنساب ، ثم ذكر سبحانه انه انما فرق أنساب الناس ليتعارفوا لا ليتفاخروا فقال (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) وهي جمع شعب : وهو الحي العظيم مثل مضر وربيعة ، وقبائل ؛ هي دون الشعوب كبكر من ربيعة ، وتميم من مضر (لِتَعارَفُوا) أي جعلناكم كذلك لتعارفوا ، فيعرف بعضكم بعضا بنسبه وأبيه وقومه ، ولو لا ذلك لفسدت المعاملات وخربت الدنيا (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) أي ان أكثركم ثوابا ، وأرفعكم منزلة عند الله أتقاكم لمعاصيه ، وأعملكم بطاعته. وروي عن النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : يقول الله تعالى يوم القيامة : امرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم فيه ، ورفعتم انسابكم ، فاليوم ارفع نسبي وأضع أنسابكم ، أين المتقون؟ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ.) وروي ان رجلا سأل عيسى بن مريم عليهالسلام : أي الناس أفضل؟ فأخذ قبضتين من تراب فقال : أي هاتين أفضل؟ الناس خلقوا من تراب ، فأكرمهم أتقاهم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بأعمالكم (خَبِيرٌ) بأحوالكم لا يخفى عليه شيء من ذلك (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) وهم قوم من بني أسد أتوا النبيّ صلىاللهعليهوآله في سنة جدبة وأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر ، إنّما كانوا يطلبون الصدقة والمعنى : انّهم قالوا صدّقنا بما جئت به ، فأمره الله سبحانه ان يخبرهم بذلك ليكون آية معجزة له فقال (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) أي لم تصدقوا على الحقيقة في الباطن (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) أي انقدنا واستسلمنا مخافة السبي والقتل. ثمّ بيّن سبحانه ان الإيمان محله القلب دون اللسان فقال (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) الإسلام اظهار الخضوع والقبول لما أتى به الرسول ، وبذلك يحقن الدم ، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن المسلم حقّا ، فالمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر ، والمسلم التام الاسلام مظهر للطاعة وهو مع ذلك مؤمن بها ، والذي أظهر الإسلام تعوذا من القتل غير مؤمن في الحقيقة إلّا أن حكمه في الظاهر حكم المسلمين (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
١٥ ـ ١٨ ـ ثمّ نعت سبحانه الصادقين في إيمانهم فقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) أي لم يشكوا في دينهم بعد الإيمان (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) في أقوالهم دون من يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قالوا : فلما نزلت الآيتان أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحلفون انهم مؤمنون صادقون في دعواهم الايمان ، فأنزل الله سبحانه (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) أي أتخبرون الله بالدين الذي أنتم عليه والمعنى : انّه سبحانه عالم بذلك فلا يحتاج إلى اخباركم به ، وهذا استفهام انكار وتوبيخ ، أي كيف تعلمون الله بدينكم؟ (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لأنّ العالم لنفسه يعلم المعلومات كلها بنفسه فلا يحتاج إلى علم يعلم به ، ولا إلى من يعلمه ، كما انه اذا كان قديما موجودا في الأزل لنفسه استغنى عن موجد أوجده ؛ وكانوا يقولون : آمنا بك من غير قتال وقاتلك بنو فلان فقال سبحانه (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أي بأن أسلموا والمعنى : انهم يمنون عليك بالإسلام (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) أي بإسلامكم (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) أي بأن هداكم للايمان ، وأرشدكم إليه ، بأن نصب لكم من الأدلة عليه ، وأزاح عللكم ، ووفقكم له (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في إدعائكم الإيمان (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) من طاعة ومعصية وإيمان وكفر.