أحدهما صاحبه (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) حتى يصطلحا (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى) بأن تطلب ما لا يجوز لها ، وتقاتل الأخرى ظالمة لها متعدية عليها (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) لأنّها هي الظالمة المتعدية دون الأخرى (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي حتى ترجع إلى طاعة الله ، وتترك قتال الطائفة المؤمنة (فَإِنْ فاءَتْ) أي رجعت وتابت ، واقلعت وأنابت إلى طاعة الله (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) أي بينها وبين الطائفة التي هي على الإيمان (بِالْعَدْلِ) أي بالقسط حتى يكونوا سواء ، لا يكون من أحديهما على الأخرى جور ولا شطط فيها يتعلق بالضمانات من الأروش (وَأَقْسِطُوا) أي اعدلوا (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) العادلين الذين يعدلون فيما يكون قولا وفعلا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) في الدين يلزم نصرة بعضهم بعضا (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) أي بين كل رجلين تقاتلا ، أي كفّوا الظالم عن المظلوم ، وأعينوا المظلوم (وَاتَّقُوا اللهَ) في ترك العدل والإصلاح (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي لكي ترحموا.
١١ ـ ١٤ ـ لما أمر سبحانه بإصلاح ذات البين ، ونهى عن التفرق عقب ذلك بالنهي عن أسباب الفرقة من السخرية والازدراء بأهل الفقر والمسكنة ونحو ذلك فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) المعنى : لا يسخر رجال من رجال والسخرية الاستهزاء قال مجاهد معناه : لا يسخر غني من فقير لفقره ، وربما يكون الفقير المهين في ظاهر الحال خيرا وأجلّ منزلة عند الله من الغني الحسن الحال (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) على المعنى الذي تقدم (عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يطعن بعضكم على بعض كما قال تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، لأنّ المؤمنين كنفس واحدة فكأنّه إذا قتل أخاه قتل نفسه واللمز : العيب في المشهد والهمز : العيب في المغيب (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) هو كل اسم لم يوضع له ، وإذا دعي به يكرهه ، وروي ان صفية بنت حيي بن أخطب جاءت إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تبكي ، فقال لها ما وراءك؟ فقالت : إنّ عائشة تعيّرني وتقول : يهودية بنت يهوديين فقال لها : هلا قلت : أبي هارون ، وعمّي موسى ، وزوجي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنزلت الآية عن ابن عباس (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) أي بئس الاسم ان يقول له : يا يهودي يا نصراني وقد آمن (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) من التنابز والمعاصي ، ويرجع إلى طاعة الله تعالى (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) نفوسهم بفعل ما يستحقون به العقاب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) هو أن يظن بأخيه المسلم سوءا ، ولا بأس به ما لم يتكلم به ، فإن تكلم بذلك الظن وأبداه أثم وهو قوله (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) يعني ما أعلنه مما ظنّ بأخيه وقيل معناه : يجب على المؤمن أن يحسن الظن ولا يسيئه في شيء يجد له تأويلا جميلا وإن كان ظاهرا قبيحا (وَلا تَجَسَّسُوا) أي ولا تتبعوا عثرات المؤمنين (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) الغيبة : ذكر العيب بظهر الغيب على وجه تمنع الحكمة منه ، وفي الحديث اذا ذكرت الرجل بما فيه مما يكرهه الله فقد اغتبته ، واذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته. وعن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إيّاكم والغيبة فإن الغيبة أشدّ من الزنا ، ثم قال : إن الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه ، وان صاحب الغيبة لا يغفر له صاحبه. ثم ضرب سبحانه للغيبة مثلا فقال (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) وتأويله : ان ذكرك بالسوء من لم يحضرك بمنزلة أن تأكل لحمه وهو ميت لا يحسّ بذلك. ولما قيل لهم : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً)؟ قالوا : لا ، فقيل (فَكَرِهْتُمُوهُ) فكما كرهتم لحمه ميتا فاكرهوا غيبته حيّا (وَاتَّقُوا اللهَ) معطوف على هذا الفعل المقدر ومثله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا) أي وقد شرحنا ووضعنا (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ) قابل التوبة (رَحِيمٌ)