وسلّم وتوقيره لاستحقوا الثواب ، فلما فعلوه على خلاف ذلك الوجه استحقوا العقاب ، وفاتهم ذلك الثواب ، فانحبط عملهم (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) أي يخفضون اصواتهم في مجلسه إجلالا (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) أي اختبرها فأخلصها للتقوى ، فخلصوا على الاختبار كما يخلص جيد الذهب بالنار وقيل معناه : انه علم خلوص نياتهم ، لأن الإنسان يمتحن الشيء ليعلم حقيقته (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من الله لذنوبهم (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) على طاعاتهم ثم خاطب النّبيّ (ص) فقال (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) وهم الجفاة من بني تميم ، لم يعلموا في أي حجرة هو فكانوا يطوفون على الحجرات وينادونه (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) وصفهم الله سبحانه بالجهل وقلّة الفهم والعقل إذ لم يعرفوا مقدار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا ما استحقه من التوقير (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) من أن ينادوك من وراء الحجرات باستعمالهم حسن الأدب في مخاطبة الأنبياء ، ليعدّوا بذلك من زمرة العقلاء (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب منهم.
٦ ـ ١٠ ـ ثمّ خاطب سبحانه المؤمنين فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) أي بخبر عظيم الشأن ، والفاسق : الخارج عن طاعة الله إلى معصيته (فَتَبَيَّنُوا) صدقه من كذبه ولا تبادروا إلى العمل بخبره (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) أي حذرا من أن تصيبوا قوما في أنفسهم وأموالهم بغير علم بحالهم وما هم عليه من الطاعة والإسلام (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ) من إصابتهم بالخطأ (نادِمِينَ) لا يمكنكم تداركه وفي هذا دلالة على ان خبر الواحد لا يوجب العلم ولا العمل لأن المعنى : إن جاءكم من لا تأمنون ان يكون خبره كذبا فتوقفوا فيه ، وهذا التعليل موجود في خبر من يجوز كونه كاذبا في خبره ، وقد استدل بعضهم بالآية على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان عدلا من حيث ان الله سبحانه أوجب التوقف في خبر الفاسق ، فدل على ان خبر العدل لا يجب التوقف فيه ، وهذا لا يصح لأن دليل الخطاب لا يعول عليه عندنا وعند أكثر المحققين (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) أي فاتقوا الله ان تكذبوه أو تقولوا باطلا عنده ، فإن الله تعالى يخبره بذلك فتفضحوا (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) أي لو فعل ما تريدونه في كثير من الأمر لوقعتم في عنت : وهو الإثم والهلاك ، فسمّى موافقته لما يريدونه طاعة لهم مجازا ألا ترى أن الطاعة تراعى فيها الرتبة ، فلا يكون الإنسان مطيعا لمن دونه وإنما يكون مطيعا لمن فوقه إذا فعل ما أمره به. ثم خاطب المؤمنين الذين لا يكذبون فقال (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) أي جعله أحبّ الأديان إليكم بأن أقام الأدلة على صحته ، وبما وعد من الثواب عليه (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) بالألطاف الداعية إليه (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) بما وصف من العقاب عليه بوجوه الألطاف الصارفة عنه (وَالْفُسُوقَ) أي الخروج عن الطاعة إلى المعاصي (وَالْعِصْيانَ) أي جميع المعاصي وقيل : الفسوق الكذب عن ابن عباس وابن زيد وهو المروي عن أبي جعفر (ع). ثم عاد سبحانه إلى الخبر عنهم فقال (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) يعني الذين وصفهم بالإيمان وزينه في قلوبهم هم المهتدون إلى محاسن الأمور وقيل هم الذين أصابوا الرشد واهتدوا إلى الجنة (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) أي تفضلا منّي عليهم ، ورحمة منّي لهم عن ابن عباس (وَاللهُ عَلِيمٌ) بالأشياء كلها (حَكِيمٌ) في جميع أفعاله وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر من وجوه منها انه اذا حبّب في قلوبهم الإيمان وكره الكفر فمن المعلوم انه لا يحبّب ما لا يحبه ، ولا يكرّه ما لا يكرهه ومنها انّه إذا ألطف في تحبيب الإيمان بألطافه دل ذلك على ما نقوله في اللطف ثم قال (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) أي فريقان من المؤمنين قاتل