مر تفسيره (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) أي ذلك اليوم يوم وقوع الوعيد الذي خوّف الله به عباده ليستعدّوا ويقدموا العمل الصالح له.
٢١ ـ ٣٠ ـ ثم اخبر سبحانه عن حال الناس بعد البعث فقال (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) أي وتجيء كل نفس من المكلفين في يوم الوعيد ومعها سائق من الملائكة يسوقها ، أي يحثها على السير إلى الحساب ، وشهيد من الملائكة يشهد عليها بما يعلم من حالها ، وشاهده منها ، وكتبه عليها ، فلا يجد إلى الهرب ولا إلى الجحود سبيلا (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ) أي يقال له : لقد كنت في سهو ونسيان (مِنْ هذا) اليوم في الدنيا والغفلة : ذهاب المعنى عن النفس (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) الذي كان في الدنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك حتى ظهر لك الأمر ، وإنما تظهر الأمور في الآخرة بما يخلق الله تعالى من العلوم الضرورية فيهم فيصيروا بمنزلة كشف الغطاء لما يرى ، وإنّما يراد به جميع المكلّفين ، برّهم وفاجرهم ، لأنّ معارف الجميع ضرورية (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) أي فعينك اليوم حادة النظر لا يدخل عليها شك ولا شبهة (وَقالَ قَرِينُهُ) يعني الملك الشهيد عليه (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) معناه : هذا حسابه حاضر لديّ في هذا الكتاب ، أي يقول لربه : كنت وكلتني به فما كتبت من عمله حاضر عندي (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) روى أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن الأعمش انه قال : حدّثنا ابو المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى لي ولعليّ : القيا في النار من ابغضكما ، وادخلا الجنة من احبكما ، وذلك قوله (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ، والعنيد : الذاهب عن الحق وسبيل الرشد (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) الذي أمر الله به من بذل المال في وجوهه (مُعْتَدٍ) ظالم متجاوز يتعدّى حدود الله (مُرِيبٍ) أي شاكّ في الله وفيما جاء من عند الله (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) من الأصنام والأوثان (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) هذا تأكيد للأول فكأنّه قال : افعلا ما امرتكما به فإنه مستحق لذلك (قالَ قَرِينُهُ) أي شيطانه الذي أغواه ، وإنّما سمي قرينه لأنه يقرن به في العذاب (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) أي ما أضللته وما أوقعته في الطغيان باستكراه ، أي لم أجعله طاغيا (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ) من الإيمان (بَعِيدٍ) أي ولكنه طغى باختياره السوء ، ومثل هذا قوله : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (قال) الله تعالى لهم (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) أي لا يخاصم بعضكم بعضا عندي (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) في دار التكليف ولم تنزجروا ، وخالفتم أمري (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) المعنى : ان الذي قدمته لكم في دار الدنيا من اني أعاقب من جحدني ، وكذب رسلي ، وخالفني في أمري ، لا يبدل بغيره ، ولا يكون خلافه (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي لست بظالم أحدا في عقابي لمن استحقه ، بل هو الظالم لنفسه بارتكابه المعاصي التي استحق بها ذلك (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) اذكر يا محمد ذلك اليوم الذي يقول الله فيه لجهنّم : هل امتلأت من كثرة ما القي فيك من العصاة؟ (وَتَقُولُ) جهنّم (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) قال انس : طلبت الزيادة.
٣١ ـ ٤٠ ـ لما اخبر سبحانه عما أعده للكافرين والعصاة عقبه بذكر ما أعده للمتقين فقال (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي قربت الجنة وأدنيت للذين اتقوا الشرك والمعاصي حتى يروا ما فيها من النعيم (غَيْرَ بَعِيدٍ) معناه : ليس ببعيد مجيء ذلك ، لأن كل آت قريب (هذا ما تُوعَدُونَ) أي هذا الذي ذكرناه هو ما وعدتم به من الثواب على السنة الرسل (لِكُلِّ أَوَّابٍ) أي تواب رجّاع إلى الطاعة (حَفِيظٍ) لما أمر الله به ، متحفظ من