الدين ، وتذكيرا وتذكرا (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) راجع إلى الله تعالى (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) وغيثا يعظم النفع به (فَأَنْبَتْنا بِهِ) أي بالماء (جَنَّاتٍ) أي بساتين فيها أشجار تشتمل على أنواع الفواكه المستلذة (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) أي حبّ البر والشعير وكل ما يحصد (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) أي وأنبتنا به النخل طويلات عاليات (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) أي لهذه النخل الموصوفة بالعلو طلع نضد بعضه على بعض ، وهو أول ما يظهر من ثمر النخل (رِزْقاً لِلْعِبادِ) أي أنبتنا هذه الأشياء للرزق ، وكل رزق فهو من الله تعالى بأن يكون قد فعله أو فعل سببه (وَأَحْيَيْنا بِهِ) أي بذلك الماء الذي أنزلناه من السماء (بَلْدَةً مَيْتاً) أي جدبا وقحطا لا تنبت شيئا فنبتت وعاشت. ثم قال (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) من القبور ، أي مثل ما أحيينا هذه الأرض الميتة بالماء نحيي الموتى يوم القيامة فيخرجون من قبورهم ، فإن من قدر على احدهما قدر على الآخر.
١٢ ـ ٢٠ ـ ثم ذكر سبحانه الأمم المكذبة تسلية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتهديدا للكفار فقال (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) من الأمم الماضية (قَوْمُ نُوحٍ) فاغرقهم الله (وَأَصْحابُ الرَّسِ) وهم أصحاب البئر التي رسّوا نبيّهم فيها بعد أن قتلوه (وَثَمُودُ) وهم قوم صالح (وَعادٌ) وهم قوم هود (وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) أي وكذب فرعون موسى ، وقوم لوط لوطا ؛ وسماهم اخوانه لكونهم من نسبه (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) وهم قوم شعيب (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) وهو تبّع الحميري الذي ذكرناه عند قوله : اهم خير أم قوم تبع (كُلٌ) من هؤلاء المذكورين (كَذَّبَ الرُّسُلَ) المبعوثة إليهم ، وجحدوا نبوتهم (فَحَقَّ وَعِيدِ) أي وجب عليهم عذابي الذي أوعدتهم به (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) أي أفعجزنا حين خلقناهم أولا ولم يكونوا شيئا ، فكيف نعجز عن بعثهم واعادتهم؟ وهذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بأن الله هو الخالق ثم انكروا البعث (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي بل هم في ضلال وشك من اعادة الخلق جديدا واللبس : منع من ادراك المعنى بما هو كالستر له ، والجديد : القريب الإنشاء (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أراد به الجنس ، يعني ابن آدم (وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أي ما يحدث به قلبه ، وما يخفي ويكنّ في نفسه ولا يظهره لأحد من المخلوقين (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) بالعلم (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) هو عرق متعلق بالقلب ، يعني نحن أقرب إليه من قلبه. ثم ذكر سبحانه انه مع علمه به وكل به ملكين يحفظان عليه عمله الزاما للحجة فقال (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) وهما الملكان يأخذان منه عمله فيكتبانه كما يكتب المملى عليه (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) أراد عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد ، والمراد بالقعيد هنا الملازم الذي لا يبرح وقيل : عن اليمين كاتب الحسنات ، وعن الشمال كاتب السيئات وقيل : الحفظة أربعة : ملكان بالنهار ، وملكان بالليل (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي ما يتكلم بكلام فيلفظه : أي يرميه من فيه إلّا لديه حافظ حاضر معه يعني الملك الموكل به ، إما صاحب اليمين ، وإما صاحب الشمال ، يحفظ عمله لا يغيب عنه ، وفي رواية صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين بعشر امثالها ، وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين : امسك ، فيمسك عنه سبع ساعات ، فإن استغفر الله منها لم يكتب عليه شيء ، وإن لم يستغفر الله كتب عليه سيئة واحدة (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) أي جاءت غمرة الموت وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله ، بالحق : أي أمر الآخرة حتى عرفه ؛ والمراد : ان هذه السكرة قد قربت منكم فاستعدوا لها فهي لقربها كالحاصلة مثل قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) ، ويقال لمن جاءته سكرة الموت (ذلِكَ) أي ذلك الموت (ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي تهرب وتميل (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) قد