السماء الرابعة بحيال الكعبة تعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة. وروي عن أمير المؤمنين (ع) قال : يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا. عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : البيت المعمور في السماء الدنيا ، وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان ، يدخل فيه جبرائيل كل يوم طلعت فيه الشمس ، وإذا خرج انتفض انتفاضة جرت منه سبعون ألف قطرة ، يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون فيه ، فيفعلون ثم لا يعودون إليه أبدا. وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : البيت الذي في السماء الدنيا يقال له : الضراح ، وهو بفناء البيت الحرام ، لو سقط سقط عليه ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) هو السماء عن علي سلام الله عليه ، هي كالسقف للأرض رفعها الله (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي المملوء وقيل : هو الموقد المحمى بمنزلة التنور وقيل : انه تحمى البحار يوم القيامة فتجعل نيرانا ، ثم تفجر بعضها في بعض ثم تفجر إلى النار (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) هذا جواب القسم ، أقسم الله بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم القدرة على أن تعذيب المشركين حق واقع لا محالة (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) يدفع عنهم ذلك العذاب ثم بيّن سبحانه أنه متى يقع فقال (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) أي تدور دورانا ، وتضطرب وتموج وتتحرك وتستدير (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) أي تسير الجبال وتزول من أماكنها حتى تستوي الأرض (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة والتقدير إذا كان هذا فويل لمن يكذب الله ورسوله (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ) أي في حديث باطل يخوضون ، وهو الحديث الذي كان يخوض فيه الكفار من إنكار البعث ، وتكذيب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (يَلْعَبُونَ) أي يلهون بذكره (يَوْمَ يُدَعُّونَ) أي يدفعون (إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) أي دفعا بعنف وجفوة. قال مقاتل : هو أن تغل أيديهم إلى أعناقهم ، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ، ثم يدفعون إلى جهنم دفعا على وجوههم ، حتى إذا دنوا قال لهم خزنتها (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) في الدنيا ، ثم وبخوهم لما عاينوا بما كانوا يكذبون به وهو قوله (أَفَسِحْرٌ هذا) الذي ترون أنتم (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) وذلك أنهم كانوا ينسبون محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى السحر ، وإلى أنه يغطي على الأبصار بالسحر ، فلما شاهدوا ما وعدوا به من العذاب وبخوا بهذا ، ثم يقال لهم (اصْلَوْها) أي قاسوا شدتها (فَاصْبِرُوا) على العذاب (أَوْ لا تَصْبِرُوا) عليه (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) الصبر والجزع (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا من المعاصي بكفركم وتكذيبكم الرسول.
١٧ ـ ٢٨ ـ لما تقدم وعيد الكفار عقبه سبحانه بالوعد للمؤمنين فقال (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الذين يجتنبون معاصي الله خوفا من عقابه (فِي جَنَّاتٍ) أي في بساتين تجنّها الأشجار (وَنَعِيمٍ) أي وفي نعيم (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي متنعّمين بما أعطاهم ربهم من أنواع النعيم (وَوَقاهُمْ) أي وصرف عنهم (رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا) أي يقال لهم كلوا واشربوا (هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أكلا وشربا هنيئا مأمون العاقبة من التخمة والسقم ، ثم ذكر حالهم في الأكل والشرب فقال (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) والسرر : جمع سرير ، والمصفوفة : المصطفة الموصول بعضها ببعض (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) فالحور : البيض النقيات في حسن وكمال ، والعين : الواسعات الأعين في صفاء وبهاء ومعناه : قرنّا هؤلاء المتقين بحور عين على وجه التمتيع لهم والتنعيم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الصغار والكبار ، لأن الكبار يتبعون الآباء بإيمان منهم والصغار يتبعون الآباء بإيمان من الآباء ، فالولد يحكم له بالإسلام تبعا