لهم في الشفاعة (لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) لهم أن يشفعوا فيه ، أي من أهل الإيمان والتوحيد. ثم ذم سبحانه مقالتهم فقال (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي لا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب (لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) حين زعموا أنهم بنات الله (وَما لَهُمْ بِهِ) أي بذلك التسمية (مِنْ عِلْمٍ) أي ما يستيقنون أنهم أناث وليسوا عالمين (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) الذي يجوز أن يخطىء ويصيب في قولهم ذلك (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) الحق هنا معناه : العلم ، أي الظن لا يغني عن العلم شيئا ، ولا يقوم مقام العلم. ثم خاطب نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (فَأَعْرِضْ) يا محمد (عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) ولم يقر بتوحيدنا (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) فمال إلى الدنيا ومنافعها ، أي لا تقابلهم على أفعالهم واحتملهم ، ولا تدع مع هذا وعظهم ودعاءهم إلى الحق (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي الإعراض عن التدبر في أمور الآخرة ، وصرف الهمة إلى التمتع باللذات العاجلة منتهى علمهم ، وهو مبلغ خسيس لا يرضى به لنفسه عاقل ، لأنه من طباع البهائم أن يأكل في الحال ولا ينتظر العواقب ، وفي الدعاء : اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (هُوَ أَعْلَمُ) منك ومن جميع الخلق (بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي بمن جار وعدل عن سبيل الحق الذي هو سبيله (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) إليها ، فيجازي كلا منهم على حسب أعمالهم.
٣١ ـ ٤١ ـ ثم أخبر سبحانه عن كمال قدرته ، وسعة ملكه فقال (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وهذا اعتراض بين الآية الأولى وبين قوله (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) واللام في ليجزي تتعلق بمعنى الآية الأولى لأنه إذا كان أعلم بهم جازى كلا منهم بما يستحقه وذلك لام العاقبة ، وذلك ان علمه بالفريقين أدى إلى جزائهم باستحقاقهم ، وإنما يقدر على مجازاة المحسن والمسيء إذا كان كثير الملك ، ولذلك أخبر به في قوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، ليجزي في الآخرة الذين أساؤوا : أي أشركوا بما عملوا من الشرك (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي وحدوا ربهم (بِالْحُسْنَى) أي بالجنة ، ثم وصف سبحانه الذين أحسنوا فقال (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) أي عظائم الذنوب (وَالْفَواحِشَ) جمع فاحشة وهي أقبح الذنوب وأفحشها ، وقد بيّنا اختلاف الناس في الكبائر في سورة النساء ، وقد قيل : ان الكبيرة : كل ذنب ختم بالنار ، والفاحشة : كل ذنب فيه الحد (إِلَّا اللَّمَمَ) معناه هو صغار الذنوب كالنظر والقبلة ، وما كان دون الزنا وقيل : هو أن يلم بالذنب مرة ثم يتوب ولا يعود ، عن الحسن والسدي ، وهو اختيار الزجاج لأنه قال : اللمم : هو أن يكون الإنسان قد ألمّ بالمعصية ولم يقم على ذلك ، ويدل على ذلك قوله (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) قال ابن عباس : لمن فعل ذلك وتاب ، ومعناه : ان رحمته تسع جميع الذنوب لا تضيق عنه (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) يعني قبل أن خلقكم (إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي أنشأ أباكم آدم من أديم الأرض وقال البلخى : يجوز أن يكون المراد به جميع الخلق ، أي خلقكم من الأرض عند تناول الأغذية المخصوصة التي خلقها من الأرض ، وأجرى العادة بخلق الأشياء عند ضرب من تركيبها ، فكأنّه سبحانه أنشأهم منها (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) أي في وقت كونكم أجنة في الأرحام ، أي علم من كل نفس ما هي صانعة ، وإلى ما هي صائرة عن الحسن وقيل معناه : أنه سبحانه علم ضعفكم وميل طباعكم إلى اللمم ، وعلم حين كنتم في الأرحام ما تفعلون إذا خرجتم ، وإذا علم ذلك منكم قبل وجوده فكيف لا يعلم ما حصل منكم (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا تعظموها ولا تمدحوها بما ليس لها فإني أعلم بها (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) أي اتقى الشرك والكبائر (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي