خوطبوا على لغتهم ومقدار فهمهم وقيل لهم في هذا ما يقال للذي يحدد ، فالمعنى : فكان على ما تقدرونه أنتم قدر قوسين أو أقل من ذلك ، وهو كقوله أو يزيدون (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) أي فأوحى الله على لسان جبرائيل إلى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أوحى.
١١ ـ ٢٠ ـ ثمّ بيّن سبحانه ما رآه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة الإسراء وحقق رؤيته فقال : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) أي لم يكذب فؤاد محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ما رآه بعينه وان الذي رآه هو ما رآه من ملكوت الله تعالى وأجناس مقدوراته (أَفَتُمارُونَهُ) أي أفتجادلونه (عَلى ما يَرى) وذلك أنهم جادلوه حين أسري به فقالوا له : صف لنا بيت المقدس ، وأخبرنا عن عيرنا في طريق الشام ، وغير ذلك مما جادلوه به (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) أي رأى جبرائيل في صورته التي خلق عليها نازلا من السماء نزلة أخرى ، وذلك انه رآه مرتين في صورته على ما مرّ ذكره (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) أي رآه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو عند سدرة المنتهى ، وهي شجرة عن يمين العرش ، فوق السماء السابعة ، انتهى إليها علم كل ملك (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) أي عند سدرة المنتهى جنة المقام ، وهي جنة الخلد ، وهي في السماء السابعة (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) يغشاها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجر ، والمعنى : أنه رأى جبرائيل (ع) على ما صورته في الحال التي يغشى فيها السدرة من أمر الله ، ومن العجائب المنبهة على كمال قدرة الله تعالى ما يغشاها ، وإنما أبهم الأمر فيما يغشى لتعظيم ذلك وتفخيمه كما قال (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وقوله : ما يغشى أبلغ لفظ في هذا المعنى (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) أي ما زاغ بصر محمد صلىاللهعليهوآله ولم يمل يمينا ولا شمالا وما طغى أي ما جاوز القصد ولا الحد الذي حد له ، وهذا وصف أدبه صلوات الله عليه وآله في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانبا ، ولم يمل بصره ، ولم يمده أمامه إلى حيث ينتهي (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) وهي الآيات العظام التي رآها تلك الليلة مثل سدرة المنتهى ، وصورة جبرائيل (ع) ورؤيته وله ستمائة جناح قد سدّ الأفق بأجنحته ، ومن للتبعيض ، أي رأى بعض آيات ربه (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) أي أخبرونا عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله ، وتعبدون معها الملائكة ، وتزعمون ان الملائكة بنات الله ، ومعنى الآية : أخبروني عن هذه الأصنام هل ضرت أو نفعت ، أو فعلت ما يوجب أن تعدل بالله.
٢١ ـ ٣٠ ـ (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) أي كيف يكون ذلك كذلك؟ وأنتم لو خيرتم لأخترتم الذكر على الأنثى ، فكيف أضفتم إليه تعالى ما لا ترضونه لأنفسكم! (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) أي ان القسمة التي قسمتم من نسبة الاناث إلى الله تعالى ، وإيثاركم بالبنين قسمة غير عادلة (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) أي ليس تسميتكم لهذه الأصنام بأنها آلهة ، وانها بنات الله إلا أسامي لا معاني تحتها ، لأنه لا ضر عندها ولا نفع ، فهي تسميات ألقيت على جمادات (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي لم ينزل الله كتابا لكم فيه حجة بما تقولونه. ثم رجع إلى الإخبار عنهم بعد المخاطبة فقال (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) الذي ليس بعلم (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) أي وما تميل إليه نفوسهم (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) أي البيان والرشاد بالكتاب والرسول (أَمْ لِلْإِنْسانِ) أي للكافر (ما تَمَنَّى) من شفاعة الأصنام (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) فلا يملك فيهما أحد شيئا إلّا بإذنه. ثم أكد ذلك بقوله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) جمع الكناية ، لأن المراد بقوله : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) الكثرة (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ)