في إنزال القرآن الإيمان به. ثم حثّهم سبحانه على الإنفاق فقال (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي أيّ شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرّب إلى الله تعالى (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني يفني الخلق ويبقى هو ، والمعنى فيه : أن الدنيا وأموالها ترجع إلى الله فلا يبقى لأحد فيها ملك ولا أمر كما يرجع الميراث إلى مستحقّيه ، فاستوفوا حظكم من أموالكم قبل أن تخرج من أيديكم. ثم بيّن سبحانه فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله فقال (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) بيّن سبحانه أن الإنفاق قبل فتح مكة إذا انضم إليه الجهاد أكثر ثوابا عند الله من النفقة والجهاد بعد ذلك ، وذلك أن القتال قبل الفتح كان أشد ، والحاجة إلى النفقة وإلى الجهاد كان أكثر ثوابا عند الله من النفقة والجهاد بعد ذلك ، وذلك أن القتال قبل الفتح كان أشد ، والحاجة إلى النفقة وإلى الجهاد كان أكثر وأمسّ. ثم سوّى سبحانه بين الجميع في الوعد بالخير والثواب في الجنة فقال (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) أي الجنة والثواب فيها وان تفاضلوا في مقادير ذلك (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي لا يخفى عليه شيء من إنفاقكم وجهادكم فيجازيكم بحسب نياتكم وبصائركم وإخلاصكم في سرائركم.
١١ ـ ١٥ ـ ثم حثّ سبحانه على الإنفاق فقال (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي طيبة به نفسه (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) أي يضاعف له الجزاء من بين سبع إلى سبعين إلى سبعمائة (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) أي جزاء خالص لا يشوبه صفة نقص ، فالكريم الذي من شأنه أن يعطي الخير الكثير ، فلما كان ذلك الأجر يعطي النفع العظيم وصف بالكريم ، والأجر الكريم : هو الجنة (يَوْمَ تَرَى) يا محمد (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) على الصراط يوم القيامة وهو دليلهم إلى الجنة (يَوْمَ تَرَى) يا محمد (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) على الصراط يوم القيامة وهو دليلهم إلى الجنة ؛ ويريد بالنور الضياء الذي يرونه ويمرّون فيه ، وقال قتادة : ان المؤمن يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعاء ودون ذلك ، حتى ان من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلّا موضع قدميه ، وقال عبد الله بن مسعود : ويؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من نوره مثل الجبل ، وأدناهم نورا نوره على ابهامه ، يطفأ مرة ويوقد أخرى ، وقال الضحاك : وبأيمانهم : يعني كتبهم التي اعطوها ، ونورهم بين أيديهم ؛ وتقول لهم الملائكة (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) أي الذي تبشرون به اليوم جنات (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي مؤبدين دائمين لا تفنون (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي الظفر بالمطلوب ، ثم ذكر حال المنافقين في ذلك اليوم فقال (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا) ظاهرا وباطنا (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) أي انهم إذا خرجوا من قبورهم اختلطوا ، فيسعى المنافقون في نور المؤمنين ، فإذا ميّزوا بقوا في الظلمة فيستغيثون ويقولون هذا القول (قِيلَ) أي فيقال للمنافقين (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) أي ارجعوا إلى المحشر حيث أعطينا النور (فَالْتَمِسُوا نُوراً) فيرجعون فلا يجدون نورا وذلك أنه تغشى الجميع ظلمة شديدة ثم يقسم النور ويعطى المؤمن نورا ، ويترك الكافر والمنافق ، وقيل معنى قوله : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) : ارجعوا إلى الدنيا إن أمكنكم فاطلبوا النور منها بالإيمان والطاعات ، وعند ذلك يقول المؤمنون : ربّنا أتمم لنا نورنا (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) أي ضرب بين المؤمنين والمنافقين سور والمعنى : حيل بينهم وبينهم بسور وهو حائط بين الجنة والنار عن قتادة وقيل هو سور على الحقيقة (لَهُ بابٌ) أي لذلك السور باب (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ) أي من قبل ذلك الظاهر (الْعَذابُ) وهو النار وقيل : باطنه : أي باطن ذلك السور فيه الرحمة أي : الجنة التي فيها المؤمنون ، وظاهره : أي وخارج السور من قبله يأتيهم العذاب ، يعني أن المؤمنين يسبقونهم ويدخلون الجنة ، والمنافقون يجعلون في النار والعذاب ، وبينهم السور الذي