فلان أول هذا الأمر وآخره ، وظاهره وباطنه ، أي عليه يدور الأمر ، وبه يتم (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ) يصح أن يكون معلوما (عَلِيمٌ) لأنه عالم لذاته (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لما في ذلك من اعتبار الملائكة بظهور شيء بعد شيء من جهته ، ولما في الاخبار به من المصلحة للمكلفين ، ولو لا ذلك لكان يخلقهما في لحظة واحدة لأنه القادر لذاته (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) المعروف في السماء ، واستواؤه عليه كونه قادرا على خلقه وإفنائه وتصريفه (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها) أي يعلم ما يدخل في الأرض ويستتر فيها ، ويعلم ما يخرج من الأرض من سائر أنواع النبات والحيوان والجماد ، لا يخفى عليه شيء منها (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) أي ويعلم ما ينزل من السماء من مطر وغير ذلك من أنواع ما ينزل منها ، ويعلم ما يعرج في السماء من الملائكة ، وما يرفع إليها من أعمال الخلق (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) بالعلم الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأحوالكم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من خير وشر (بَصِيرٌ) أي عليم (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يتصرف فيهما كيف يشاء (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) يوم القيامة ، يعني أن جميع من ملّكه شيئا في الدنيا يزول ملكه عنه ، وينفرد سبحانه بالملك كما كان كذلك قبل أن خلق الخلق (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي يدخل ما نقص من الليل في النهار ، وما نقص من النهار في الليل ، أي حسب ما دبّره فيه من مصالح عباده عن عكرمة وإبراهيم (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي هو عالم بأسرار خلقه وما يخفونه من الضمائر والاعتقادات والإرادات والكراهات والعزائم في قلوبهم ، لا يخفى عليه شيء منها ؛ وفي هذا تحذير من المعاصي.
٧ ـ ١٠ ـ ثم خاطب سبحانه المكلفين فقال (آمِنُوا بِاللهِ) معاشر العقلاء ، أي صدّقوا الله وأقرّوا بوحدانيته ، وإخلاص العبادة له (وَرَسُولِهِ) أي وصدقوا رسوله واعترفوا بنبوته (وَأَنْفِقُوا) في طاعة الله والوجوه التي أمركم بالإنفاق فيها (مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) أي من المال الذي استخلفكم الله فيه بوراثتكم إياه عمن قبلكم ؛ ونبه سبحانه بهذا على ان ما في أيدينا يصير لغيرنا كما صار إلينا ممّن قبلنا ، وحثّنا على استيفاء الحظ منه قبل أن يصير لغيرنا. ثم بيّن سبحانه ما يكافيهم على ذلك إذا فعلوه فقال (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) بالله ورسوله (وَأَنْفِقُوا) في سبيله (لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) أي جزاء وثواب عظيم دائم لا يشوبه كدر ولا تنغيص (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي وأيّ شيء يمنعكم من الإيمان بالله مع وضوح الدلائل على وحدانيته (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) إلى ما ركب الله في عقولكم من معرفة الصانع وصفاته (لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) بما أودع الله في قلوبكم من دلالات العقل الموصلة إلى الإيمان به ؛ فإن الميثاق هو الأمر المؤكد الذي يجب العمل به (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن كنتم مصدقين بحق ، فالآن فقد ظهرت أعلامه ، ووضحت براهينه والمعنى : أي عذر لكم في ترك الإيمان وقد انزاحت العلل ، وارتفعت الشبه ، ولزمتكم الحجج العقلية والسمعية ، فالعقلية : ما في فطرة العقول ، والسمعية : دعوة الرسول المؤيدة بالأدلة المؤدية إلى المدلول (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ) يعني محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم (آياتٍ بَيِّناتٍ) أي حججا منيرة ، وبراهين واضحة (لِيُخْرِجَكُمْ) الله بالقرآن والأدلة ، وقيل : ليخرجكم الرسول بالدعوة (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من الكفر إلى الإيمان بالتوفيق والهداية والألطاف والأدلة (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حين بعث الرسول ، ونصب الأدلة ، والرأفة والرحمة واحد وإنما جمع بينهما للتأكيد ، وقيل : الرأفة : النعمة على المضرور ، والرحمة : النعمة على المحتاج ؛ وفي هذا دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر ، فإنه بيّن أن الغرض