رسولا بعد رسول (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) بعدهم فأرسلناه رسولا (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) أي وأعطينا عيسى بن مريم الإنجيل (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في دينه يعني الحواريين وأتباعهم اتبعوا عيسى عليهالسلام (رَأْفَةً) وهي أشد الرقة (وَرَحْمَةً) وإنما أضاف الرأفة والرحمة إلى نفسه لأنه سبحانه جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة بالأمر به ، والترغيب فيه ، ووعد الثواب عليه (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) وهي الخصلة من العبادة يظهر فيها معنى الرهبة ، أما في كنيسة أو انفراد عن الجماعة أو غير ذلك من الأمور التي يظهر فيها نسك صاحبه والمعنى : ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها هي رفض النساء ، واتخاذ الصوامع (إِلَّا) أنهم اتبعوها (ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) وقوله فما رعوها على ضربين أحدهما أن يكونوا قصروا فيما ألزموه أنفسهم والآخر أن يكونوا حين بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يؤمنوا به ، كانوا تاركين لطاعة الله فما رعوا تلك الرهبانية حق رعايتها ، ودليل ذلك قوله (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) يعني الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي كافرون (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي اعترفوا بتوحيد الله ، وصدقوا بموسى وعيسى (ع) (اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) أي يؤتكم نصيبين (مِنْ رَحْمَتِهِ) نصيبا لإيمانكم بمن تقدم من الأنبياء ونصيبا لايمانكم بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ابن عباس (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) أي هدى تهتدون به عن مجاهد وقيل : النور القرآن وفيه الأدلة على كل حق ، والبيان لكل خير ، وبه يستحق الضياء الذي يمشي به يوم القيامة. عن ابن عباس (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) أي ويستر عليكم ذنوبكم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال سعيد بن جبير : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه ، فقدم عليه ودعاه فاستجاب له وآمن به ، فلما كان عند انصرافه قال ناس ممن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلا : ائذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم به ، فقدموا مع جعفر ، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالوا : يا نبيّ الله إن لنا أموالا ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها ، فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين ، فأنزل الله فيهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) ، إلى قوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) ، فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين ، فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن به قوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) ، فخروا على المسلمين فقالوا : يا معشر المسلمين أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا فله أجران ، ومن آمن منا بكتابنا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا؟ فنزل قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) الآية ، فجعل لهم أجرين وزادهم النور والمغفرة ثم قال : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ). وعن رسول الله (ص) قال : أيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه (ع) وآمن بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فله أجران وأيما مملوك أدّى حقّ الله وحقّ مواليه فله أجران (لِئَلَّا يَعْلَمَ) أي لأن يعلم (أَهْلُ الْكِتابِ) يعني الذين لم يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحسدوا المؤمنين منهم (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ومعناه : جعلنا الأجرين لمن آمن بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ليعلم الذين لم يؤمنوا أنهم لا أجر لهم ولا نصيب لهم في فضل الله (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) فآتى المؤمنين منهم أجرين (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) يتفضل على من يشاء من عباده المؤمنين وقيل : ان المراد بفضل الله هنا النبوة ، أي لا يقدرون على نبوة الأنبياء ، ولا على صرفها عمن شاء الله أن يخصه بها فيصرفونها عن محمد صلّى الله