زكريا : كيف لك ، ومن أين لك هذا؟ كالمتعجب منه (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي من الجنة. وهذه تكرمة من الله تعالى لها وإن كان ذلك خارقا للعادة (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) تقدم تفسيره.
٣٨ ـ ٣٩ ـ (هُنالِكَ) أي عند ذلك الذي رأى من فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف على خلاف ما جرت به العادة (دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) قال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) أي طمع في رزق الولد من العاقر على خلاف مجرى العادة فسأل ذلك ، وقوله طيبة : أي مباركة (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) بمعنى قابل الدعاء ومجيب له ، ومنه قول القائل : سمع الله لمن حمده أي : قبل الله دعاءه (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) جاءه النداء من جهة الملائكة (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) أي في المسجد (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) سماه الله بهذا الإسم قبل مولده (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) أي مصدقا بعيسى (وَسَيِّداً) في العلم والعبادة (وَحَصُوراً) وهو الذي لا يأتي النساء ومعناه : أنه يحصر نفسه عن الشهوات ، أي يمنعها (وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) أي رسولا شريفا رفيع المنزلة.
٤٠ ـ (قالَ) زكريا (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ) أي من أين يكون (لِي غُلامٌ) أي ولد (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) أي أصابني الشيب ، ونالني الهرم وقال ابن عباس : كان زكريا يوم بشّر بالولد ابن عشرين ومائة سنة ، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) أي عقيم لا تلد (قالَ كَذلِكَ) وتقديره كذلك الأمر الذي انتما عليه وعلى تلك الحال (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) معناه : يرزقك الله الولد منها فإنه هيّن عليه كما أنشأكما ولم تكونا شيئا ، فإنه تعالى قادر يفعل ما يشاء.
٤١ ـ ثم سأل الله تعالى زكريا علامة يعرف بها وقت حمل امرأته ليتعجل السرور ف (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أي علامة لوقت الحمل والولد ، فجعل الله تعالى تلك العلامة في إمساك لسانه عن الكلام إلا إيماء من غير آفة حدثت فيه بقوله : (قالَ آيَتُكَ) أي قال الله : آيتك : أي علامتك (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) أي إيماء (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) أي في هذه الأيام الثلاثة ومعناه : أنه لما منع من الكلام عرف أنه لم يمنع من الذكر لله تعالى والتسبيح له ، وذلك أبلغ في الإعجاز (وَسَبِّحْ) أي نزه الله ، وأراد التسبيح المعروف وقيل معناه : صلّ ، كما يقال : فرغت من سبحتي : أي صلاتي (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) في آخر النهار وأوله.
٤٢ ـ ٤٣ ـ قدّم تعالى ذكر امرأة عمران وفضل بنتها على الجملة ، ثم ذكر تفصيل تلك الجملة فقال : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) معناه : اذكر إذ قالت الملائكة (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) أي إختارك وألطف لك حتى تفرغت لعبادته واتباع مرضاته (وَطَهَّرَكِ) بالإيمان عن الكفر ، وبالطاعة عن المعصية ، عن الحسن وسعيد بن جبير ، وقيل : طهّرك من الأدناس والأقذار التي تعرض للنساء من الحيض والنفاس حتى صرت صالحة لخدمة المسجد ، عن الزجاج ، وقيل : طهّرك من الأخلاق الذميمة ، والطبائع الردية.
(وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) أي على نساء عالمي زمانك لأن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وعلى أبيها وبعلها وبنيها سيدة نساء العالمين (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) أي اعبديه واخلصي له العبادة (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي كما يعمل الساجدون والراكعون ، وقيل معناه : واسجدي لله شكرا واركعي ، أي وصلّي مع المصلين.
٤٤ ـ (ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدم ذكره من حديث مريم وزكريا ويحيى (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أي من أخبار ما غاب عنك