من الآخر (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) أي نادى بعضهم بعضا وقت الصباح (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) أي تنادوا بأن اغدوا معناه : قال بعضهم لبعض : اغدوا على حرثكم ، والحرث : الزروع والأعناب (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) أي قاطعين النخل (فَانْطَلَقُوا) أي فمضوا إليها (وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) أي يتسارون بينهم (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) هذا ما كانوا يتخافتون به (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ) أي على قصد منع الفقراء (قادِرِينَ) عند أنفسهم وفي اعتقادهم على منعهم وإحراز ما في جنتهم وقيل على حرد ، أي على جدّ وجهد من أمرهم ، عن مجاهد وقتادة وأبي العالية وقيل : على حدّ في المنع عن أبي عبيدة وقيل على حنق وغضب من الفقراء عن سفيان (فَلَمَّا رَأَوْها) أي رأوا الجنة على تلك الصفة (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) ضللنا عن الطريق فليس هذا بستاننا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) والمعنى : ان هذه جنّتنا ولكن حرمنا نفعها وخيرها لمنعنا حقوق المساكين ، وتركنا الاستثناء (قالَ أَوْسَطُهُمْ) معناه : أفضلهم وأعقلهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) كأنه كان حذرهم سوء فعالهم قال : لو لا تستثنون ، لأن في الاستثناء التوكل على الله ، والتعظيم لله ، والإقرار بأنه لا يقدر أحد على فعل شيء إلّا بمشيئة الله ، فلذلك سمّاه تسبيحا ، وقيل معناه : هلّا تعظمون الله بعبادته ، واتباع أمره ، وقيل معناه : هلّا تذكرون نعم الله عليكم فتؤدّوا شكرها بأن تخرجوا حق الفقراء من أموالكم ، وقيل معناه : هلّا نزّهتم الله تعالى عن الظلم ، واعترفتم بأنه لا يظلم ، ولا يرضى منكم بالظلم ، وقيل معناه : لم لا تصلون ثم حكى عنهم أنهم (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) في عزمنا على حرمان المساكين من حصّتهم عند الصرام ، فحرمنا قطعها والانتفاع بها والمعنى : أنه سبحانه منزّه عن الظلم فلم يفعل بنا ما فعله ظلما ، وإنما الظلم وقع منا حيث منعنا الحق (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) أي يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) قد غلونا في الظلم ، وتجاوزنا الحدّ فيه والويل : غلظ المكروه الشاق على النفس قال عمرو بن عبيد : يجوز أن يكون ذلك منهم توبة ، ويجوز أن يكون على حدّ ما يقول الكافر إذا وقع في الشدة (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) أي لمّا تابوا ورجعوا إلى الله قالوا : لعلّ الله يخلف علينا ويولينا خيرا من الجنة التي هلكت (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) أي نرغب إلى الله ونسأله ذلك ، ونتوب إليه مما فعلناه (كَذلِكَ الْعَذابُ) في الدنيا للعاصين (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) والأكبر هو الذي يصغر مقدار غيره بالإضافة إليه. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله تعالى منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا وقال أبو خالد اليمامي : رأيت تلك الجنة ورأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم.
٣٤ ـ ٤٥ ـ لما ذكر سبحانه ما أعدّه بالآخرة للكافرين ، عقّبه بذكر ما أعدّه للمتقين فقال (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يتنعمون فيها ويختارونها على جنات الدنيا التي يحتاج صاحبها إلى المشقة والعناء. ثم استفهم سبحانه على وجه الإنكار فقال (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) أي لا نجعل المسلمين كالمشركين في الجزاء والثواب وذلك أنهم كانوا يقولون : إن كان بعث وجزاء كما يقوله محمد فإن حالنا يكون أفضل في الآخرة كما في الدنيا ، فأخبر سبحانه أن ذلك لا يكون أبدا (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) هذا تهجين لهم وتوبيخ ومعناه أيّ عقل يحملكم على تفضيل الكفار حتى صار سببا لإصراركم على الكفر؟ ولا يحسن في الحكمة التسوية بين الأولياء والأعداء في دار الجزاء (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) معناه : ألكم كتاب تدرسون فيه ذلك فأنتم متمسكون به ، لا تلتفتون إلى خلافه (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) معناه : إن لكم