واشتغالا بالدنيا من غير تفكر في العاقبة ، فإذا خوف بالقيامة قال ما يكون ذلك؟ ثم قال سبحانه (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أي شخص البصر عند معاينة ملك الموت فلا يطرف من شدة الفزع (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أي ذهب نوره وضوؤه (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف ليتكامل ظلام الأرض على أهلها حتى يراها كل أحد بغير نور وضياء (يَقُولُ الْإِنْسانُ) المكذب بالقيامة (يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) معناه : أين موضع الفرار. قال الله سبحانه (كَلَّا لا وَزَرَ) أي لا مهرب ولا ملجأ لهم يلجأون إليه والوزر : ما يتحصن به من جبل أو غيره ومنه الوزير الذي يلجأ إليه في الأمور (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) أي المنتهى ، أي ينتهي الخلق يومئذ إلى حكمه وأمره فلا حكم ولا أمر لأحد غيره (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) أي يخبر الإنسان يوم القيامة بأول عمله وآخره فيجازى به ، وحقيقة النبأ الخبر بما يعظم شأنه (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) أي أن جوارحه تشهد عليه بما عمل ، فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه عليه (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) أي ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ذلك.
١٦ ـ ٢٥ ـ ثم خاطب سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال ابن عباس : كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه لحبّه إياه ، وحرصه على أخذه وضبطه مخافة أن ينساه ، فنهاه الله عن ذلك ، كما قال : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) في صدرك حتى تحفظه (وَقُرْآنَهُ) أي وتأليفه على ما نزل عليك (فَإِذا قَرَأْناهُ) أي قرأه جبريل عليك بأمرنا (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أي قراءته ، والمعنى : اقرأه إذا فرغ جبريل عن قراءته ، فكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد هذا إذا نزل عليه جبريل عليهالسلام أطرق فإذا ذهب قرأ ، وقيل : (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) : أي فاعمل بما فيه من الأحكام والحلال والحرام ، عن قتادة والضحاك (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) وقيل معناه : ثم ان علينا أن نحفظه عليك حتى تبين للناس بتلاوتك إياه عليهم ، وقيل معناه : علينا أن ننزله قرآنا عربيا فيه بيان للناس ، عن الزجاج (كَلَّا) أي لا تتدبّرون القرآن وما فيه من البيان (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) أي تختارون الدنيا على العقبى ، فيعملون للدنيا لا للآخرة جهلا منهم وسوء اختيار. ثم بيّن سبحانه حال الناس في الآخرة فقال (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة (ناضِرَةٌ) أي ناعمة بهجة حسنة ، عن ابن عباس والحسن ، وقيل : مسرورة عن مجاهد ، وقيل : مضيئة بيض يعلوها النور ، عن السدي ومقاتل ؛ جعل الله سبحانه وجوه المؤمنين المستحقين للثواب بهذه الصفة علامة للخلق والملائكة على أنهم الفائزون (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) معناه : إلى ثواب ربها ناظرة ، أي هي ناظرة إلى نعيم الجنة حالا بعد حال فيزداد بذلك سرورها (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) أي كالحة عابسة متغيّرة (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) أي تعلم وتستيقن أنه يعمل بها داهية تفقر ظهورهم : أي تكسرها. وقيل : إنّه على حقيقة الظن ، أي يظنون حصولها جملة ولا يعلمون تفصيلها ، وهذا أولى من الأوّل ، لأنّه لو كان بمعنى العلم لكان (أن) بعده مخففة من أنّ الثقيلة ، على ما ذكر في غير موضوع.
٢٦ ـ ٤٠ ـ ثم بيّن سبحانه حالهم عند النزع فقال (كَلَّا) أي ليس يؤمن الكافر بهذا (إِذا بَلَغَتِ) الروح (التَّراقِيَ) أي العظام المكتنفة بالحلق ، وكنّى بذلك عن الإشفاء على الموت (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) أي وقال من حضره من أهله : هل من راق : أي طبيب شاف يرقيه ويداويه فلا يجدونه (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ)