مثل القطران (قَمْطَرِيراً) أي صعبا شديدا عن أبي عبيدة والمبرد وقال الحسن سبحان الله ما أشدّ اسمه وهو من اسمه أشدّ وقيل : القمطرير الذي يقلص الوجوه ، ويقبض الجباه وما بين الأعين من شدته.
١١ ـ ٢٢ ـ ثم أخبر سبحانه بما أعدّ للأبرار الموصوفين في الآيات الأولى من الجزاء فقال (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) أي كفاهم الله ومنع منهم أهوال يوم القيامة وشدائده (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) أي استقبلهم بذلك (وَجَزاهُمْ) أي وكافأهم (بِما صَبَرُوا) أي بصبرهم على طاعته ، واجتناب معاصيه ، وتحمل محن الدنيا وشدائدها (جَنَّةً) يسكنونها (وَحَرِيراً) من لباس الجنة يلبسونه ويفرشونه (مُتَّكِئِينَ) أي جالسين جلوس الملوك (فِيها) أي في الجنة (عَلَى الْأَرائِكِ) أي الفرش فوق الأسرة (لا يَرَوْنَ فِيها) أي في تلك الجنة (شَمْساً) يتأذون بحرّها (وَلا زَمْهَرِيراً) يتأذّون ببرده (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) يعني ان أفياء أشجار تلك الجنة قريبة منهم (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) أي وسخرت وسهل أخذ ثمارها تسخيرا إن قام ارتفعت بقدره ، وإن قعد نزلت عليه حتى ينالها ، وإن اضطجع تدلت حتى تنالها يده (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ) أي على هؤلاء الأبرار الموصوفين قبل (بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ) جمع كوب وهو إناء للشرب من غير عروة (كانَتْ) تلك الأكواب (قَوارِيرَا) أي زجاجات (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) قال الصادق عليهالسلام : ينفذ البصر في فضة الجنة كما ينفذ في الزجاج والمعنى : أن أصلها من فضة فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير ، فيرى من خارجها ما في داخلها (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) أي قدروا الكأس على قدر ربّهم لا يزيد ولا ينقص من الري ، والضمير في قدّروها للسقاة والخدم الذين يسقون ، فإنهم يقدرونها ثم يسقون (وَيُسْقَوْنَ فِيها) أي في الجنة (كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) قال ابن عباس : كل ما ذكره الله في القرآن مما في الجنة وسمّاه ليس له مثل في الدنيا ، ولكن سماه الله بالاسم الذي يعرف ، والزنجبيل مما كانت العرب تستطيبه فلذلك ذكره في القرآن ، ووعدهم انهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) أي تمزج الخمر بالزنجبيل ، والزنجبيل من عين تسمى تلك العين سلسبيلا ، قال الزجاج : هو صفة لما كان في غاية السلاسة وقيل : سمّي سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان ، عن أبي العالية ومقاتل ، وقيل : سميت بذلك لأنها ينقاد ماؤها لهم يصرفونها حيث شاؤوا ، عن قتادة (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) مرّ تفسيره (إِذا رَأَيْتَهُمْ) يعني إذا رأيت أولئك الولدان (حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) من الصفاء وحسن المنظر والكثرة ، فذكر لونهم وكثرتهم وقيل : إنما شبههم بالمنثور لانتثارهم في الخدمة ، فلو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) أي إذا رميت ببصرك ، ثمّ يعني الجنة (رَأَيْتَ نَعِيماً) خطيرا (وَمُلْكاً كَبِيراً) لا يزول ولا يفنى وقيل : الملك الكبير : استئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) فوقهم ثياب سندس ، وهو ما رقّ من الثياب فيلبسونها (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) وهو ما غلظ منها ، ولا يراد به الغلظ في السلك إنما يراد به الثخانة في النسج. قال ابن عباس : أما رأيت الرجل عليه ثياب والذي يعلوها أفضلها (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) الفضة الشفافة وهي التي يرى ما وراءها كما يرى من البلورة ، وهو أفضل من الدر والياقوت وقيل : انهم يحلون بالذهب تارة ، وبالفضة أخرى ليجمعوا محاسن الحلية كما قال الله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) أي طاهرا من الأقذار والأقذاء ، لم تدنسها الأيدي ، ولم تدسها الأرجل