أخبر عن ذلك اليوم فقال (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) والمعنى : يوم يقوم الناس من قبورهم لأمر ربّ العالمين ولجزائه وفي الحديث إنهم يقومون في رشحهم إلى انصاف آذانهم (كَلَّا) هو ردع وزجر ، أي ارتدعوا وانزجروا عن المعاصي فليس الأمر على ما أنتم عليه (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) يعني كتابهم الذي فيه ثبت أعمالهم من الفجور والمعاصي. وعن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : سجين أسفل سبع أرضين والمعنى في الآية : ان كتاب عملهم يوضع هناك (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك ، ثم قال مفسرا لذلك (كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي كتاب معلوم كتب فيه ما يسؤوهم ويسخن أعينهم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) وهذا تهديد لمن كذّب بالجزاء والبعث ولم يصدق. ثم فسّر سبحانه المكذبين فقال (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي يوم الجزاء (وَما يُكَذِّبُ بِهِ) أي لا يكذب بيوم الجزاء (إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ) أي متجاوز للحق إلى الباطل (أَثِيمٍ) كثير الإثم ، مبالغ في ارتكابه. ثم وصف المعتدي الأثيم بقوله (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) وهي القرآن (قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي أباطيل الأولين (كَلَّا) ليس الأمر على ما قالوه. ثم استأنف فقال (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي غلب عليها (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) والمعنى : غلب ذنوبهم على قلوبهم وقيل : ان معنى الرين هو الذنب على الذنب حتى يموت القلب. وروى العياشي بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ما من عبد مؤمن إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا أذنب ذنبا خرج في تلك النكتة نكتة سوداء ، فإن تاب ذهب ذلك السواد ، وان تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض ، فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول الله تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) الآية (كَلَّا) يريد لا يصدقون. ثم استأنف (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) يعني ان هؤلاء الذين وصفهم بالكفر والفجور محجوبون يوم القيامة عن رحمة ربهم واحسانه وكرامته ، وقيل محرومون عن ثوابه وكرامته عن عليّ عليهالسلام (ثُمَّ إِنَّهُمْ) بعد أن منعوا من الثواب والكرامة (لَصالُوا الْجَحِيمِ) أي لازموا الجحيم بكونهم فيها ، لا يغيبون عنها (ثُمَّ يُقالُ) لهم توبيخا وتبكيتا (هذَا الَّذِي) فعل بكم من العذاب والعقاب (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) في دار التكليف. ويسمى مثل هذا الخطاب تقريعا لأنه خبر بما يقرع بشدة الغم على وجه الذم.
١٨ ـ ٣٦ ـ (كَلَّا) أي لا يؤمنون بالعذاب الذي يصلونه (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ) أي المطيعين لله (لَفِي عِلِّيِّينَ) أي مراتب عالية محفوفة بالجلالة ، وعن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في عليين : في السماء السابعة تحت العرش (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) وهذا تعظيم لشأن هذه المنزلة ، وتفخيم لأمرها وتنبيه على ان تفصيل تفصيله لا يمكن العلم به إلّا بالمشاهدة ثم قال (كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي هو كتاب مكتوب فيه جميع طاعاتهم ، وما تقرّ به أعينهم ، ويوجب سرورهم ، بضد الكتاب الذي للفجار لأن فيه ما يسوءهم وينوءهم ، ويسخن عيونهم (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) يعني الملائكة الذين هم في عليين يشهدون ويحضرون ذلك المكتوب أو ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) أي يحصلون في ملاذ وأنواع من النعمة في الجنة (عَلَى الْأَرائِكِ) قال الحسن : ما كنا نعرف ما الأرائك حتى قدم إلينا رجل من أهل اليمن فزعم ان الأريكة عندهم الحجلة إذا كان فيها سرير (يَنْظُرُونَ) إلى ما أعطوا من النعيم والكرامة (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) أي إذا رأيتهم عرفت انهم من أهل النعمة بما ترى في وجوههم من النور والحسن والبياض والبهجة (يُسْقَوْنَ مِنْ