وانشقاقها من علامات القيامة ، وذكر ذلك في مواضع من القرآن (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) أي سمعت وأطاعت في الانشقاق عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة ، وهذا توسّع أي كأنها سمعت وانقادت لتدبير الله (وَحُقَّتْ) أي وحقّ لها أن تأذن بالانقياد لأمر ربّها الذي خلقها وتطيع له (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) أي بسطت باندكاك جبالها وآكامها حتى تصير كالصحيفة الملساء (وَأَلْقَتْ ما فِيها) من الموتى والكنوز (وَتَخَلَّتْ) معناه : ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها ، وتخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) ليس هذا بتكرار ، لأن الأول في صفة السماء ، والثاني في صفة الأرض ، وهذا كله من اشراط الساعة ، وجلائل الأمور التي تكون فيها ، والتقدير : إذا كانت هذه الأشياء التي ذكرناها وعددناها رأى الإنسان ما قدّم من خير أو شرّ (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) أي ساع إليه في عملك ، وقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) خطاب لجميع المكلفين من ولد آدم يقول الله لهم سبحانه ولكل واحد منهم : يا أيّها الانسان انك عامل عملا في مشقة لتحمله إلى الله وتوصله إليه (فَمُلاقِيهِ) أي ملاق جزاءه ؛ جعل لقاء جزاء العمل لقاء له تفخيما لشأنه وقيل معناه : ملاق ربك أي صائر إلى حكمه حيث لا حكم إلا حكمه. ثم قسّم سبحانه أحوال الخلق يوم القيامة فقال (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) أي من أعطي كتابه الذي ثبت فيه أعماله من طاعة أو معصية بيده اليمنى (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) يريد انه لا يناقش في الحساب ولا يواقف على ما عمل من الحسنات ، وما له عليها من الثواب ، وما حطّ عنه من الأوزار إما بالتوبة أو بالعفو وقيل : الحساب اليسير التجاوز عن السيئات ، والاثابة على الحسنات ومن نوقش الحساب عذّب ، في خبر مرفوع ، وفي رواية اخرى يعرف عمله ثم يتجاوز عنه ، وفي حديث آخر : ثلاث من كنّ فيه حاسبه الله حسابا يسيرا ، وأدخله الجنة برحمته ، قالوا : وما هي يا رسول الله؟ قال : تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عمّن ظلمك (وَيَنْقَلِبُ) بعد الفراغ من الحساب (إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) بما أوتي من الخير والكرامة. والمراد بالأهل هنا ما أعدّ الله له من الحور العين وقيل أهله أزواجه وأولاده وعشائره وقد سبقوه إلى الجنة ، والسرور : هو الاعتقاد والعلم بوصول نفع إليه ، أو دفع ضرّ عنه ، وقال قوم : هو معنى في القلب يلتذّ لأجله بنيل المشتهى ، يقال : سرّ بكذا من مال أو ولد أو بلوغ أمل فهو مسرور (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) لان يمينه مغلولة إلى عنقه ، وتكون يده اليسرى خلف ظهره. والوجه في ذلك أن تكون إعطاء الكتاب باليمين امارة للملائكة والمؤمنين لكون صاحبه من أهل الجنة ، وكناية عن قبول أعماله ، واعطاؤه على الوجه الآخر امارة لهم على ان صاحبه من أهل النار ، وعلامة المناقشة في الحساب وسوء المآب. ثم حكى سبحانه ما يحلّ به فقال (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) أي هلاكا اذا قرأ كتابه وهو أن يقول : واثبوراه ، واهلاكاه (وَيَصْلى سَعِيراً) أي يدخل النار ويعذب بها (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) في الدنيا ناعما لا يهمّه أمر الآخرة ، ولا يتحمل مشقة العبادة ، فأبدله الله بسروره غما باقيا لا ينقطع ، وكان المؤمن مهتما بأمر الآخرة فأبدله الله بهمّه سرورا لا يزول ولا يبيد ، وقيل : كان مسرورا بمعاصي الله تعالى لا يندم عليها وقيل : ان من عصى وسرّ بمعصية الله فقد ظنّ انه لا يرجع إلى البعث ولو كان موقنا بالبعث والجزاء لكان بعيدا عن السرور بالمعاصي (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي ظن في دار التكليف انه لن يرجع إلى حال الحياة في الآخرة للجزاء فارتكب المآثم ، وانتهك المحارم (بَلى) ليحورن وليبعثن وليس الأمر على ما ظنّه (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) من يوم خلقه إلى أن يبعثه ، ثم أقسم سبحانه فقال (فَلا أُقْسِمُ) سبق بيانه في سورة القيامة (بِالشَّفَقِ) أي بالحمرة التي تبقى عند المغرب في