ويوم عرفة مشهود يشهد الناس فيه موسم الحج ، وتشهده الملائكة (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) أخبار عن المسلمين الذين عذبوا بالنار في الأخدود والمعنى : انهم قتلوا بالاحراق في النار. ذكرهم الله سبحانه واثنى عليهم بحسن بصيرتهم ، وصبرهم على دينهم حتى أحرقوا بالنار (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) أي أصحاب النار الذين أوقدوها باحراق المؤمنين وقوله : (ذاتِ الْوَقُودِ) : اشارة إلى كثرة حطب هذه النار وتعظيم لأمرها ، فإن النار لا تخلو عن وقود (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) يعني الكفار اذ هم على أطراف هذه النار جلوس يعذّبون المؤمنين ، عن ابن عباس ، وقيل : يعني هم عندها قعود يعرضونهم على الكفر ، عن مقاتل. قال مجاهد ؛ كانوا قعودا على الكراسي عند الاخدود ، وهو قوله (وَهُمْ) يعني الملك وأصحابه الذين خدّوا الاخدود (عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ) من عرضهم على النار ، وارادتهم ان يرجعوا إلى دينهم (شُهُودٌ) أي حضور. قال الزجاج : أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على ان احرقوا بالنار في الله (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ) أي ما كرهوا منهم إلّا انهم آمنوا ، وهذا كقوله : (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ) (الْعَزِيزِ) القادر الذي لا يمتنع عليه شيء القاهر الذي لا يقهر (الْحَمِيدِ) المحمود في جميع أفعاله (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له التصرف في السموات والأرض لا اعتراض لأحد عليه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي شاهد عليهم ، لم يخف عليه فعلهم بالمؤمنين ، فإنه يجازيهم وينتصف للمؤمنين منهم (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي الذين أحرقوهم وعذّبوهم بالنار (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) من فعلهم ذلك ، ومن الشرك الذي كانوا عليه (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) بكفرهم (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) بما أحرقوا المؤمنين. يسأل فيقال : كيف فصّل بين عذاب جهنم وعذاب الحريق وهما واحد؟ اجيب عن ذلك : بأن لهم عذاب جهنم في الآخرة ، ولهم عذاب الحريق في الدنيا ، وذلك ان النار ارتفعت من الاخدود فأحرقتهم ، وقال الفراء : ارتفعت النار عليهم فأحرقتهم فوق الأخاديد ونجا المؤمنون. ثم ذكر سبحانه ما أعدّه للمؤمنين الذين احرقوا بالنار فقال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا بتوحيد الله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) النجاة العظيم ، والنفع الخالص ؛ وانما وصفه بالكبير لأن نعيم العاملين كبير بالإضافة إلى نعيم من لا عمل له من داخلي الجنة لما في ذلك من الإجلال والإكرام والتبجيل والإعظام. ثم قال سبحانه متوعدا للكفار والعصاة (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) يا محمد (لَشَدِيدٌ) يعني ان اخذه بالعذاب إذا اخذ الظلمة والجبابرة أليم شديد (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ) الخلق ، يخلقهم أولا في الدنيا (وَيُعِيدُ) هم أحياء بعد الموت للحساب والجزاء ، فليس امهاله لمن يعصيه لإهماله إياه (وَهُوَ الْغَفُورُ) لذنوب المؤمنين من أهل طاعته (الْوَدُودُ) يودّ أولياءه ويحبّهم (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) القراءة في المجيد الرفع ، لأن الله سبحانه هو الموصوف بالمجد ، ولأن المجيد لم يسمع في غير صفة الله تعالى (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) لا يعجزه شيء طلبه ، ولا يمتنع منه شيء أراده. ثم ذكر سبحانه خبر الجموع الكافرة فقال (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) الذين تجنّدوا على أنبياء الله ، أي هل بلغك أخبارهم؟ ثم بيّن سبحانه أصحاب الجنود فقال (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) والمعنى : تذكر يا محمد حديثهم تذكّر معتبر كيف كذبوا أنبياء الله ، وكيف نزل بهم العذاب ، وكيف صبر الأنبياء وكيف نصروا؟ فاصبر كما صبر أولئك ليأتيك النصر كما أتاهم ؛ وهذا من الإيجاز البديع ، والتلويح الفصيح الذي لا يقوم مقامه التصريح (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني مشركي قريش (فِي تَكْذِيبٍ) لك والقرآن ، قد اعرضوا عما يوجبه الاعتبار ، واقبلوا على ما يوجبه الكفر والطغيان (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) معناه : إنهم في