١ ـ ١٩ ـ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) هذا أمر من الله سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقرأ باسم ربه ، وان يدعوه بأسمائه الحسنى ، وفي تعظيم الاسم تعظيم المسمى لأن الاسم ذكر المسمى بما يخصّه فلا سبيل إلى تعظيمه إلّا بمعناه ، ولهذا لا يعظم اسم الله حق تعظيمه إلّا من هو عارف به ، ومعتقد عبادته ، ولهذا قال سبحانه : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وقال : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الَّذِي خَلَقَ) أي خلق جميع المخلوقات على قتضى حكمته ، واخرجه من العدم إلى الوجود بكمال قدرته ، ثمّ خصّ الإنسان بالذكر تشريفا له وتنبيها على إبانته إياه عن سائر الحيوان فقال (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) أراد به جنس بني آدم ، أي خلقهم من دم جامد بعد النطفة ، وفي هذا إشارة إلى بيان النعمة بأن خلقه من الأصل الذي هو في الغاية القصوى من المهانة ، ثم بلغ به مبالغ الكمال حتى صار بشرا سويا مهيئا للنطق والتمييز ، مفرغا في قالب الاعتدال. ثم أكّد الأمر بالإعادة فقال (اقْرَأْ) وقيل : أمره في الأول بالقراءة لنفسه وفي الثاني بالقراءة للتبليغ ، ومعناه : اقرأ القرآن (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) أي الأعظم كرما فلا يبلغه كرم كريم ، لأنه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره ، فكل نعمة توجد من جهته تعالى ، إمّا بأن اخترعها وإمّا بأن سبّبها وسهّل الطريق إليها (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي علّم الكاتب ان يكتب بالقلم ، أو علم الإنسان البيان بالقلم أو علّم الكتابة بالقلم. امتنّ سبحانه على خلقه بما علّمهم من كيفية الكتابة بالقلم لما في ذلك من كثرة الانتفاع فيما يتعلق بالدين والدنيا. قال قتادة : القلم نعمة من الله عظيمة لولاه لم يقم دين ، ولم يصلح عيش (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) من أنواع الهدى والبيان ، وأمور الدين والشرائع والأحكام ، فجميع ما يعلمه الإنسان من جهته سبحانه أما بأن اضطرّه إليه ، وأما بأن نصب الدليل عليه في عقله ، وأما بأن بيّنه له على ألسنة ملائكته ورسله ، فكل العلوم على هذا مضاف إليه ؛ وفي هذا دلالة على انه سبحانه عالم لأن العلم لا يقع إلّا من عالم (كَلَّا) أي حقا (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) أي يتجاوز حدّه ، ويستكبر على ربّه ، ويعدو طوره (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) أي لأن رأى نفسه مستغنية عن ربه بعشيرته وأمواله وقوته كأنه قال : انما يطغى من رأى انه مستغن عن ربه لا من كان غنيا (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) أي إلى الله مرجع كل احد ، أي فهذا الطاغي كيف يطغى بماله ويعصي ربه ورجوعه إليه؟ وهو قادر على إهلاكه وعلى مجازاته إذا رجع إليه (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) هذا تقرير للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم واعلام له بما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة. ومعنى الآية أرأيت يا محمد من منع من الصلاة ، ونهى من يصلي عنها ماذا يكون جزاؤه ، وما يكون حاله عند الله تعالى ، وما الذي يستحقه من العذاب؟ والآية عامة في كل من ينهى عن الصلاة. ومعنى أرأيت ها هنا تعجيب للمخاطب ، ثم كرّر هذه اللفظة تأكيدا في التعجيب فقال (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) يعني العبد المنهي وهو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) يعني بالاخلاص والتوحيد ، ومخافة الله تعالى (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) أبو جهل (وَتَوَلَّى) عن الإيمان ، واعرض عن قبوله والاصغاء إليه (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) ما يفعله ويعلم ما يصنعه ثم قال سبحانه (كَلَّا) أي لا يعلم ذلك (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) يعني ان لم يمتنع أبو جهل عن تكذيب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإيذائه (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) أي لنجرّنّ بناصيته إلى النار ، وهذا كقوله (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) ومعناه : لنذلّنه ونقيمنه مقام الأذلة ، ففي الأخذ بالناصية اهانة واستخفاف ، ثم اخبر سبحانه عنه بأنه فاجر خاطىء بأن قال (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) وصفها بالكذب والخطأ بمعنى ان صاحبها كاذب في أقواله ، خاطىء في أفعاله. قال ابن عباس