٥. قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ). (١)
ذهب الجمهور إلى أنّهم قوم من بني إسرائيل فرّوا من الطاعون أو من الجهاد فأرسل عليهم الموت ، فلمّا رأوا انّ الموت كثر فيهم خرجوا من ديارهم فراراً منه ، فأماتهم الله جميعاً وأمات دوابّهم ثمّ أحياهم لمصالح وغايات أشير إليها في الآية.
لكن الأُستاذ أنكر ذلك واختار كون الآية مسوقة سوق المثل ، وانّ المراد بهم قوم هجم عليهم أُولو القوة والقدرة من أعدائهم فلم يدافعوا عن استقلالهم وخرجوا من ديارهم وهم أُلوف ، فقال لهم الله موتوا موت الخزي والجهل ، والخزي موت والعلم وإباء الضيم حياة ، فهؤلاء ماتوا بالخزي ثمّ أحياهم بإلقاء روح النهضة والدفاع عن الحقّ ، فقاموا بحقوق أنفسهم واستقلّوا في أمرهم.
يلاحظ عليه : أنّه لو كانت الآية مسوقة سوق المثل وجب أن تذكر فيه لفظة « المثل » كما هو دأبه سبحانه في الأمثال القرآنية ، مثل قوله : ( كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ). (٢)
وقوله تعالى : ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ ). (٣)
وقوله تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ). (٤)
فحمل الآية على المثل وإخراجها عن كونها وردت لبيان قصة حقيقية ،
______________________
١. البقرة : ٢٤٣. |
٢. البقرة : ١٧. |
٣. يونس : ٢٤. |
٤. الجمعه : ٥. |