والمحكم هو الكلام الواضح الدلالة بحيث لا يكون للعرف ـ ولو بملاحظة القرائن المكتنفة به ـ تحيّر في استفادة المراد منه ، ولا يحتاج في تعيين المقصود منه إلى الرجوع إلى العالم أو إلى القرائن المنفصلة أو الأدلّة العقلية والنقلية الخارجية.
والمراد بالمتشابه هو الكلام المجمل أو المبهم الذي يشتبه المراد منه على العرف بحيث لا يكون له بالوضع أو بالقرائن المتصلة حقيقة أو حكماً ظهور في المعنى المراد ، بل لا بدّ في الاستفادة منه من الرجوع إلى العالم الخبير بمراد المتكلّم ، أو الاجتهاد في تحصيل القرائن المنفصلة عن الكلام من حيث العقل المستقل أو سائر كلمات المتكلّمين ، ولعلّه إلى ما ذكرنا يرجع ما عن العياشي رحمهالله عن الصادق عليهالسلام انّه سأل عن المحكم والمتشابه ، فقال : « المحكم ما يعمل به ، والمتشابه ما اشتبه على جاهله ». (١)
وقال العلّامة الطباطبائي : المراد بالتشابه كون الآية لا يتعيّن مرادها لفهم السامع بمجرد اسماعها ، بل يتردد بين معنى ومعنى حتى يرجع إلى محكمات الكتاب فتُعيّن هي معناها وتبيّنها بياناً ؛ فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة ، والآية المحكمة ، محكمة بنفسها.
كما أنّ قوله سبحانه : ( الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) (٢) يشتبه المراد منه على السامع أوّل ما يسمعه ، فإذا رجع إلى مثل قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (٣) ، استقر الذهن على انّ المراد به التسلّط على الملك والإحاطة على الخلق دون التمكّن والاعتماد على المكان المستلزم للتجسم المستحيل على الله سبحانه.
وكذا قوله تعالى : ( إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (٤) إذا أرجع إلى مثل قوله : ( لَا تُدْرِكُهُ
______________________
١. نفحات الرحمن : ١ / ١٩. |
٢. طه : ٥. |
٣. الشورى : ١١. |
٤. القيامة : ٢٣. |