أوافق الواقع أم لا ، والتفسير بهذا المعنى واقع في القرآن الكريم ، ولا يمسُّ بكرامته أبداً ، فإنّ الفرق الإسلامية ـ جمع الله شملهم ـ عامة يصدرون عن القرآن ويستندون إليه ، فكلّ صاحب هوى ، يتظاهر بالأخذ بالقرآن لكن بتفسير يُدْعِمُ عقيدته ، فهو يأخذ بعنان الآية ، ويميل بها إلى جانب هواه ، ومن أوضح مصاديق هذا النوع من التفسير ، تفاسير الباطنية حيث وضعوا من عند أنفسهم لكلّ ظاهر ، باطناً ، نسبته إلى الثاني ، كنسبة القشر إلى اللبّ وأنّ باطنه يؤدّي إلى ترك العمل بظاهره ، فقد فسّروا الاحتلام بإفشاء سرّ من أسرارهم ، والغسلَ بتجديد العهد لمن أفشاه من غير قصد ، والزكاة بتزكية النفس ، والصلاة بالرسول الناطق لقوله سبحانه : ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١). (٢)
٢. النقص والزيادة في الحركة والحرف مع حفظ القرآن وصيانته ، مثاله قراءة « يطهرن » حيث قُرِئ بالتخفيف والتشديد ؛ فلو صحّ تواتر القراءات عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ولن يصحَّ أبداً ـ وانّ النبي هو الذي قرأ القـرآن بها ، فيكون الجميع قرآناً بلا تحريف ، وإن قلنا : إنّه نزل برواية واحد ، فهي القرآن وغيرها كلّها تحريف اخترعتها عقول القرّاء وزيّنوا قرآنهم بالحجج التي ذكروها بعد كلّ قراءة ، وعلى هذا ينحصر القرآن بواحدة منها وغيرها لا صلة لها بالقرآن ، والدليل الواضح على أنّهما من اختراعات القرّاء إقامتهم الحجّة على قراءتهم ولو كان الجميع من صميم القرآن لما احتاجوا إلى إقامة الحجّة ، ويكفيهم ذكر سند القراءة إلى النبي.
ومع ذلك فالقرآن مصون عن هذا النوع من التحريف ، لأنّ القراءة المتواترة ، هي القراءة المتداولة في كلّ عصر ، أعني : قراءة عاصم برواية حفص ، القراءة الموصولة إلى علي عليهالسلام وغيرها اجتهادات مبتدعة ، لم يكن منها أثر في عصر
______________________
١. العنكبوت : ٤٥. |
٢. المواقف : ٨ / ٣٩٠. وقد مرّ تفصيلاً ص : ١٢٠ ـ ١٢٧. |