معرفة العموم والخصوص وكيفية التخصيص ، والإجماع والاختلاف وأُسلوب الجمع بينهما ، والمجمل والمبيّن ، التي هي من مباحث علم الأُصول ممّا يتوقف عليه تفسير الكتاب ، كما أنّ الآيات التي تتضمن المعارف الغيبية كالاستدلال على توحيد ذاته وفعله وعبادته لا تفسر إلّا من خلال الوقوف على ما فيها من المباحث العقلية التي حقّقها علماء الكلام والعقائد ، وهذا واضح لمن له أدنى إلمام بالقرآن.
وما ربما يقال من أنّ السلف الصالح من الصحابة والتابعين كانوا مفسّرين للقرآن على الرغم من عدم اطّلاعهم على أغلب هذه المباحث ، غير تام ؛ فانّ المعلم الأوّل ـ بعد النبيّ ـ للتفسير والمصدر الأوّل للعلوم الإسلامية هو الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وقد روي عنه في علم الكلام ما جعله مرجعاً في ذينك العلمين حتّى فيما يرجع إلى أُصول الفقه من معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص ، قال عليهالسلام :
« إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، ولقد كُذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على عهده حتى قام خطيباً وقال : « من كذب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار ».
إلى أن قال بعد تقسيم الناس إلى أربعة أقسام :
« وآخر رابع لم يكذب على الله ، ولا على رسوله ، مبغض للكذب خوفاً من الله ، وتعظيماً لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يهم ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به علىٰ ما سمعه ، لم يزد فيه ولم ينقص منه ، فهو حفظ الناسخ فعمل به ، وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه ، وعرف الخاص والعام ، والمحكم والمتشابه ، فوضع كلّ شيء موضعه ». (١)
______________________
١. نهج البلاغة ، الخطبة ٢١٠.