ويقول : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (١).
فمن يفسِّر القرآن برأيه ، فقد قضى بما ليس له به علم وتقوّل على الله بما لا يعلم.
وقد راج التفسير بالرأي بطابَع علمي في العصور المتأخرة بعد الثورة الصناعية التي اجتاحت الغرب ، فإنّ الفروض العلمية التي طرحت من قبل علماء الطبيعة والفلك هي فروض غير مستقرة لا يمكن الركون إليها في تفسير الذكر الحكيم ، ولذلك سرعان ما تتبدّل النظريات العلمية إلى أُخرى ؛ فمن حاول أن يخضع القرآن الكريم للاكتشافات العلمية الحديثة ، فقد فسّر القرآن برأيه ، وإن صدق في نيته وأراد إبراز جانب من جوانب الإعجاز القرآني ، ولنذكر نموذجاً :
نشر جارلز داروين كتابه « تحوّل الأنواع » عام ١٩٠٨ م فأثبت فيه وفق تحقيقاته انّ الإنسان هو النوع الأخير من سلسلة تطور الأنواع ، وانّ سلسلته تنتهي إلى حيوان شبيه بالقردة ، فذكر آباءه وأجداده بصورة شجرة خاصة مترنماً قول الشاعر :
أُولئك آبائي فجئني بمثلهم ...
كان لنشر هذه النظرية ردّ فعل سيّئ في الأوساط الدينية دون فرق بين الأوساط المسيحية والمسلمة واليهودية الذين اتّفقوا على أنّ الإنسان كائن إبداعي وانّ سلسلته تنتهي إلى آدم أبي البشر الذي خُلق بهذه الصورة من دون أن يكون له صلة بسائر الحيوانات.
ثمّ إنّ بعض السُّذَّج من الناس اتّخذوا تلك الفرضية ذريعة لتعارض العلم والدين وفصله عن الآخر ، فزعموا انّ منهج الدين غير منهج العلم ، فربما يجتمعان
______________________
١. الإسراء : ٣٦.