التفسير بالرأي ، فإنّ لتفسير كلّ كلام ـ إلهياً كان أم بشرياً ـ أُصولاً لا يعرف المراد من غيره إلّا في ظلها ، وقد عرفت تلك المقدّمات عند البحث في ما يهمّ المفسّر.
وقد أُريد الوجهان من الروايات الناهية عن التفسير بالرأي ، وقد اختارهما لفيف من المحقّقين ، نذكر ما يلي :
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( المتوفّى ٦٧١ هـ ) قال ـ بعد نقل روايات ناهية عن التفسير بالرأي ـ :
إنّ النهي يحمل على أحد وجهين :
أحدهما : أن يكون له في الشيء رأي ، وإليه ميل من طبعه وهواه ، فيتأوّل القرآن على وفق رأيه وهواه ، ليحتج على تصحيح غرضه ، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لما يلوح له من القرآن ذلك المعنى. وهذا النوع يكون تارة مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته ، وهو يعلم ان ليس المراد من الآية ذلك ، ولكن مقصوده أن يُلبس على خصمه ، وتارة يكون مع الجهل وذلك إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ، ويرجِّح ذلك الجانب برأيه وهواه ، فيكون قد فسّر برأيه ، أي رأيه حملَه على ذلك التفسير ، ولولا رأيه لما كان يترجّح عنده ذلك الوجه.
الثاني :
أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية ، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة ، وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير ، فمن لم يُحكِّم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه ، ودخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي ، والنقل والسماع لا بدّ له منه في ظاهر التفسير ليتقى به مواضع الغلط ،
ثمّ بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط. والغرائب التي لا تفهم إلّا بالسماع كثيرة ، ولا