على نفسه من غير رجوع إلى غيره ، ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه ، وهذا الغير لا محالة إمّا هو الكتاب أو السنة ، وكونه هو السنّة ينافي القرآن و نفس السنة الآمرة بالرجوع إليه وعرض الأخبار عليه ، فلا يبقى للرجوع إليه والاستمداد منه في تفسير القرآن إلّا نفس القرآن. (١)
ومع انّه فصل الكلام في القسم الثاني من التفسير بالرأي ـ لم تفته الإشارة إلى القسم الاوّل في بعض كلماته قال :
يعرض المفسر الآية على ما توصل إليه العلم أو الفلسفة من نظريات أو فرضيات مقطوع أو مظنون بهما ظناً راجحاً ....
نموذج لكلّ من القسمين
ثمّ إنّ تأويلات الباطنية أو المتصوفة كلّها من قبيل القسم الأوّل ، وسيوافيك البحث عنها في موضعها ، ولتسليط الضوء نذكر مثالاً :
أثبتت الأُصول الفلسفية انّ الأصل هو الوجود وانّ الماهية أمر انتزاعي من حدّ الوجود والمنسوب إلى الجاعل هو الوجود ، غير أن تنزل الوجود لا ينفك عن عروض الحدود ، فالصادر من الله سبحانه هو الوجود غير المحدّد المنبسط على الماهيات.
هذا ما أثبتته الأُصول الفلسفية ، ثمّ إنّ العرفاء يدعمون تلك النظرية بالآية التالية :
يقول سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ) (٢). ويفسرون مدّ الظل ببسط الوجود على الماهيات ،
______________________
١. الميزان : ٣ / ٧٦ ـ ٧٧. |
٢. الفرقان : ٤٥. |