إنّ الاضافة في قوله « برأيه » يفيد معنى الاختصاص والانفراد والاستقلال ، بأن يستقل المفسر في تفسير القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربي ، فيقيس كلامه تعالى بكلام الناس ، فانّ قطعة من الكلام من أيِّ متكلم إذا ورد علينا ، لم نلبث دون أن نعمل فيه القواعد المعمولة في كشف المراد الكلامي ، ونحكم بذلك انّه أراد كذا ، كما نجري عليه في الأقارير والشهادات وغيرهما كلّ ذلك لكون بياننا مبنياً على ما نعلمه من اللغة ، ونعهده من مصاديق الكلمات ، حقيقة ومجازاً.
والبيان القرآني غير جارٍ هذا المجرىٰ ، بل هو كلام موصول بعضه ببعض ، في حين انّه مفصول ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض كما قاله علي عليهالسلام.
فلا يكفي ما يتحصل من آية واحدة باعمال القواعد المقررة في العلوم المربوطة في انكشاف المعنى المراد منها دون أن يتعاهد جميع الآيات المناسبة لها ويجتهد في التدبر فيها كما يظهر من قوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ). (١)
فالتفسير بالرأي المنهي عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف.
وبعبارة أُخرى : إنّما نهى عليهالسلام عن تفهّم كلامه على نحو ما يتفهّم به كلام غيره وإن كان هذا النحو من التفهّم ربما صادف الواقع ، والدليل على ذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الرواية الأُخرى : « من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ » فانّ الحكم بالخطأ مع فرض الإصابة ليس إلّا لكون الخطأ في الطريق.
والمحصل : انّ المنهي عنه إنّما هو الاستقلال في تفسير القرآن واعتماد المفسر
______________________
١. النساء : ٨٢.