في بعض ، يخرج هذا على الوعيد : أنه لما كان عالما بهذا كله يعلم بأعمالكم ومقاصدكم.
فإن قيل : هذا الذي ذكر كله في الظاهر دعوى ، فما الدليل على أنه كذلك؟
قيل : اتساق التدبير في كل شيء وآثاره فيه يدل على أنه كان بتدبير واحد ؛ لأن آثار التدبير في كل شيء واتساقه على سنن واحد ظاهرة بادية ، فذلك يدل على ما ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ...) [الآية](١).
يحتمل الكتاب ـ هاهنا ـ : التقدير والحكم اختلف فيه ؛ قال بعضهم : قوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي : محفوظ كله عنده ؛ يقول الرجل لآخر : عملك كله عندي مكتوب ، يريد الحفظ ، أي : محفوظ عندي ، وذلك جائز في الكلام.
وقيل (٢) : الكتاب ـ هاهنا ـ : [هو](٣) اللوح المحفوظ ، أي : كله مبين فيه.
وقال الحسن ـ رحمهالله ـ : إن الله يخرج كتابا في كل ليلة قدر (٤) ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ذكره ابن جرير في تفسيره (٥ / ٢١١) ، وابن عادل في اللباب (٨ / ١٩٠) ، والبغوي في تفسيره (٢ / ١٠٢) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٤ / ١٥٠) ، والقرطبي في تفسيره (٧ / ٥).
(٣) سقط في أ.
(٤) لا اختلاف بين العلماء أن ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان ، لما روي عن أبي ذر الغفاري أنه قال : قلت : يا رسول الله رفعت ليلة القدر مع الأنبياء ، أو هي باقية إلى يوم القيامة. قال : هي باقية قلت : هي في رمضان أو غيره. قال : «في رمضان». قال قلت : هي في العشر الأول ، أو الأوسط ، أو الآخر قال : «هي في الأواخر» : وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «التمسوها في العشر الأواخر. والتمسوها في كل وتر» ثم اختلفوا في موضعها من العشر فحكي عن أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس أنها في ليلة سبع وعشرين ، وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، وأنزل الزبور على داود في اثني عشر من رمضان وأنزل الإنجيل على عيسى في ثماني عشر من شهر رمضان وأنزل الفرقان على محمد صلىاللهعليهوسلم في أربع وعشرين من شهر رمضان». قالوا وإنما أنزل في ليلة القدر ، فدل أنها في أربع وعشرين من رمضان.
قال الشافعي رحمهالله الذي يشبه أن يكون في إحدى وعشرين ، أو ثلاث وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسلم قال : «أريت هذه الليلة وخرجت لأعلمكم فتلاحى رجلان فأنسيتها ورأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين» قال أبو سعيد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى وجهه أثر الماء والطين في صبيحة إحدى وعشرين. قال أبو سعيد : وكان المسجد على عريش فوكف.
فأخذ الشافعي بهذه الرواية ، وقال الشافعي في موضع إلى ثلاث وعشرين وبعدهما ليلة سبع وعشرين هذا هو المشهور في المذهب.
وقال إمامان جليلان وهما المزني وأبو بكر محمد بن إسحاق وهي متنقلة في ليالي العشر فتنتقل في بعض السنين إلى ليلة ، وفي بعضها إلى غيرها جمعا بين الأحاديث. وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها ، وصفة هذه ـ