أَعْلَمُ الْغَيْبَ) [الأنعام : ٥٠] ، وصلة قوله : (ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) ؛ كانوا يطلبون منه صلىاللهعليهوسلم ويسألونه أشياء من التوسيع في الرزق ، وغير ذلك مما كان يعدهم من الكرامة والمنزلة والسعة ، وكان يوعدهم بالعذاب ويخوفهم بالهلاك ، فيستعجلون ذلك منه ويطلبون منه ما أوعدهم فقال : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) ، ليس ذلك عندي ، لا يعلم ذلك إلا هو.
ومفاتح : من المفتح ، ليس من المفتاح [؛ لأن المفتاح] يكون جمعه مفاتيح ، والمفتح : يقال في النصر والمعونة ؛ يقال : فتح الله عليه بلدة كذا ، أي : نصره وجعله غالبا عليهم ، ويقال فيما يحدثه ويستفيد منه : فتح فلان على فلان باب كذا ، أي : علمه علم ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ).
أي : من عنده يستفاد ذلك ومنه يكون ، ومن نصر آخر إنما ينصر به ، ومن علم آخر علما إنما يعلمه به ، ومن وسع على آخر رزقا إنما يوسعه بالله ، كل هذا يشبه أن يخرج تأويل الآية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).
هذا يحتمل وجوها ؛ يحتمل [أي يعلم](١) ما في البر والبحر من الدواب ، وما يسكن فيها من ذي الروح ، كثرتها وعددها وصغيرها [وكبيرها](٢) لا يخفى عليه شيء.
والثاني : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ، أي : يعلم رزق كل ما في البر والبحر (٣) من الدواب ويعلم حاجته ، ثم يسوق إلى كل من ذلك رزقه.
يذكر (٤) هذا ـ والله أعلم ـ ليعلموا أنه لما ضمن للخلق لكل منهم رزقه ، يسوق إليه رزقه من غير تكلف ولا طلب (٥) ؛ [كما يسوق أرزاق](٦) كل ما في البر والبحر من غير طلب ولا تكلف (٧) ، لا تضيق قلوبهم لذلك ، فما بالكم تضيق قلوبكم على ذلك ، وقد ضمن ذلك لكم كما ضمن لأولئك؟!
والثالث : يعلم ما في البر والبحر من اختلاط الأقطار بعضها ببعض ، ومن دخول بعض
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : ما في البحر والبر.
(٤) في ب : يخبر.
(٥) في ب : ولا تكلف.
(٦) سقط في ب.
(٧) زاد في ب : كما يسوق أرزاق.