بالليل ، بل يعلم ما يكون منا بالليل والنهار جميعا ، وليس فيه أنه لا يتوفانا بالنهار وألا نجرح بالليل ، لكنه ذكر الجرح بالنهار والوفاة بالليل ؛ [لما أن الغالب أن يكون النوم بالليل والجرح بالنهار ؛ فهو كقوله ـ تعالى : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] ليس ألا يبصر بالليل ، لكن ذكر النهار](١) لما أن الغالب مما يبصر إنما (٢) يكون بالنهار ؛ فعلى ذلك الأول.
ثم فيه دلالة أن النائم غير مخاطب في حال نومه (٣) ؛ حيث ذكر الوعيد فيما يجرحون (٤) بالنهار ولم يذكر بالليل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ).
قال بعضهم (٥) : جرحتم ، أي : أثمتم بالنهار.
وقيل (٦) : يعلم ما كسبتم بالنهار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ).
يستدل بقوله : (يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) على الإحياء بعد الموت ؛ لأنه يذهب أرواح هذه الحواس ثم يردها إليها من غير أن يبقى لها أثر ، فكيف تنكرون البعث بعد الموت وإن لم يبق من أثر الحياة [شيء](٧)؟!
ثم القول في الجمع بعد التفرق مما الخلق يفعل ذلك ويقدر عليه ؛ نحو ما يجمع من التراب المتفرق فيجعله (٨) طينا ، ورفع البناء من مكان ، ووضعه في مكان آخر ، وغير ذلك من جمع بعض إلى بعض ، وتركيب بعض على بعض ؛ فدل أن الأعجوبة في ردّ ما ذهب كله حتى لم يبق له أثر ، لا في جمع ما تفرق ، والله أعلم.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : أن.
(٣) ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم : «رفع القلم عن ثلاثة ... والنائم حتى يستيقظ» رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر.
وقوله «رفع القلم عن ثلاثة» كناية عن عدم التكليف وعبر بلفظ الرفع إشعارا بأن التكليف لازم لبني آدم إلا لثلاثة وأن صفة الرفع لا تنفك عن غيرهم ، ينظر فيض القدير للمناوي (٤ / ٣٥).
(٤) في أ : يخرجون.
(٥) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢١٢) (١٣٣١٢) عن السدي بنحوه (١٣٣١٣) عن ابن عباس (١٣٣١٦) عن قتادة وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٠) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٦) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢١٢) (١٣٣١٧) عن مجاهد وبمثله عن قتادة (١٣٣١٤) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٠) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة بنحوه.
(٧) سقط في أ.
(٨) في ب : فتجعله.