(وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ. وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ. عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ. يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ. كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) [الانفطار : ١ ـ ١٢] يكتبون أعمالهم ويحفظونها عليهم.
وقال آخرون : هم الذين يحفظون أنفاس الخلق ، ويعدون (١) عليهم إلى وقت انقضائها وفنائها ، ثم تقبض منه الروح ويموت ؛ ألا ترى أنه قال على أثره : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) ؛ دل على أن الحفظة ـ هاهنا ـ هم الذين سلطوا على حفظ الأنفاس ، والعد عليهم إلى وقت الموت ، والله أعلم.
ثم في قوله : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) دلالة خلق أفعال العباد ؛ لأنه ذكر مجيء الموت وتوفي الرسل ، وقال : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الملك : ٢] ومجيء الموت هو توفي (٢) الرسل وتوفي الرسل هو مجيء الموت.
ثم أخبر أنه خلق الموت دل أنه خلق توفيهم ، فاحتال بعض المعتزلة في هذا وقال : إن الملك هو الذي ينزع الروح ويجمعه في [موضع](٣) ، ثم إن الله يتلفه ويهلكه. فلئن كان ما قال ، فإذن لا يموت بتوفي (٤) الرسل أبدا ؛ لأنهم إذا نزعوا وجمعوا في موضع تزداد (٥) حياة الموضع الذي جمعوا فيه ؛ لأنه اجتمع كل روح النفس في ذلك الموضع ، فإن لم يكن دل أن ذلك خيال ، والوجه فيه ما ذكرنا من الدلالة ، وهو ظاهر بحمد الله ، يعرفه كل عاقل يتأمل فيه ولم يعاند ، وبالله التوفيق.
ثم اختلف في قوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) :
قال بعضهم (٦) : هو ملك (٧) الموت وحده ، وإن خرج الكلام مخرج العموم بقوله : (رُسُلُنا) ، والمراد منه الخصوص ؛ ألا ترى (٨) أنه قال في آية أخرى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة : ١١] ، أخبر أنه هو الموكل والمسلط على ذلك.
__________________
(١) هكذا في الأصل ، ولعلها ويعدونها.
(٢) في ب : يتوفى.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : يتوفى.
(٥) في ب : يزداد.
(٦) ينظر تفسير البحر المحيط لأبي حيان (٤ / ١٥٢).
(٧) في ب : ذلك.
(٨) في ب : يرى.