وما ذا أصابهم بذلك ؛ فعلى ذلك هذا ، فيه الأمر بالمحاجة معهم في آلهتهم : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) آلهتكم التي تعبدون من دون الله ، وتشركونها في ألوهيته وربوبيته ، أو الله الذي خلقكم؟ فسخرهم (١) حتى قالوا : [الله](٢) هو الذي ينجينا من ذلك ، فقال : (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) ، فإذا كان هو الذي ينجيكم من هذا لا آلهتكم التي تعبدونها ؛ فكذلك هو الذي ينجيكم من كل كرب ومن كل شدة.
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).
أي : لا أحد ينجيكم من ظلمات البر والبحر ؛ كقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ) ، أي : لا أحد أظلم من (٣) تخافون على آلهتكم الهلاك كما تخافون على أنفسكم؟ فلا أحد سواه ينجيكم من ذلك ومن كل كرب.
قال أبو بكر الكيساني : هم عرفوا في الدنيا أنه هو الذي ينجيهم من ذلك كله ، وهو الذي يعطي لهم ما أعطوا بما قامت عليهم الحجج ، ولم يعرفوا أنه هو الذي ينجيهم في الآخرة ويهلكهم ، وهو هكذا : عرفوا الله في الدنيا ، ولم يعرفوه في الآخرة.
ثم اختلف في ظلمات البر والبحر :
قال بعضهم (٤) : الظلمات : هي الشدائد والكروب التي تصيبهم بالسلوك في البر والبحر.
وقال آخرون (٥) : الظلمات هي الظلمات لأن أسفار البحار والمفاوز إنما تقطع بأعلام السماء ، فإذا أظلمت (٦) السماء بقوا متحيرين لا يعرفون إلى أي ناحية يسلكون ، ومن أي طريق يأخذون ، فعند ذلك يدعون الله تضرعا وخفية.
قال الحسن (٧) : التضرع : هو ما يرفع به الصوت ، والخفية : هي ما يدعي سرّا وهو من الإخفاء.
وفي حرف ابن مسعود (٨) : تدعونه تضرعا وخيفة وهي من الخوف.
__________________
(١) في ب : فسخر لكم.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : ممن.
(٤) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢١٦) (١٣٣٤٦) عن قتادة بنحوه وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣١) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ. وذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٠٣).
(٥) ينظر تفسير القرطبي (٧ / ٧) ، وتفسير الخازن (٢ / ٣٩٠).
(٦) في ب : أظلم.
(٧) ذكر ابن جرير في تفسيره (٥ / ٢١٦) ، والقرطبي (٧ / ٨) نحو هذا المعنى ، وذكر أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ١٥٤) عن الحسن قال : تضرعا أي علانية ، خفية أي نية.
(٨) ذكره القرطبي (٧ / ٨) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٤ / ١٥٤) وقالا في الأعمش فذكراه.