قال الكلبي : في خفض وسكون ، وتضرع إلى الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
قال أبو بكر (١) لنكونن من الشاكرين ، أي : لا نوجه الشكر إلى غيرك ، والشكر ـ هاهنا ـ : هو التوحيد ، أي : لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الموحدين لك من بعد ؛ لأنهم كانوا يوحدون الله في ذلك الوقت ، لكنهم إذا نجوا من ذلك أشركوا غيره في ألوهيته.
ألا ترى أنه قال : (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) بعد علمكم أن الأصنام التي تعبدونها لم تملك الشفاعة لكم ، ولا الزلفى إلى الله ؛ يذكر سفههم في عبادتهم الأوثان على علم منهم أنها لا تشفع [لهم](٢) ، ولا تملك دفع شيء عنهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ).
اختلف في نزول الآية فيمن نزلت؟
قال بعضهم : نزلت في مشركي العرب ـ وهو قول أبي بكر الأصم ـ لأنها نزلت على أثر آيات نزلت في أهل الشرك ، من ذلك قوله : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) [الأنعام : ٥٠].
وقوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ ...) الآية [الأنعام : ٤٦].
وقوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ...) [الأنعام : ٦١] إلى قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) [الأنعام : ٦٢] : هذه الآيات كلها نزلت في أهل الشرك ، فهذه كذلك نزلت فيهم ؛ لأنها ذكرت على أثرها ؛ ولأن سورة الأنعام نزل أكثرها في محاجة أهل الشرك ، إلا آيات منها نزلت في أهل الكتاب ، وسورة المائدة نزل أكثرها في محاجة أهل الكتاب ؛ لأنه يذكر فيها : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) [المائدة : ٥٩ ، ٦٨ ، ٧٧].
ومنهم من يقول (٣) : نزلت في أهل الإسلام ، وهو قول أبي بن كعب ، وقال : هن أربع ، فجاء منهن ثنتان بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألبسهم شيعا ، وأذاق بعضهم بأس
__________________
(١) ذكر ابن جرير في تفسيره (٥ / ٢١٦) نحو هذا المعنى.
(٢) سقط في أ.
(٣) قال الخازن في تفسيره (٢ / ٣٩١) : اختلف المفسرون فيمن عني بهذه الآية فقال قوم عني بها المسلمون من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم وفيهم نزلت هذه الآية.