بعض (١).
أما لبس الشيع : هي الأهواء المختلفة ، (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) هو السيف والقتل ، هذان قد كانا في المسلمين ، وبقى ثنتان لا بد واقعتان (٢).
ومنهم من يقول : كان ثنتان في المشركين من أهل الكتاب ، وثنتان في أهل الإسلام ،
__________________
(١) ذكره الخازن في تفسيره (٢ / ٣٩١) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٤ / ١٥٥) وأخرجه ابن جرير (٥ / ٢٢٠) (١٣٣٦٤) عن أبي العالية.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٢) وعزاه لابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وأبي نعيم في الحلية من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب.
(٢) روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) [الأنعام : ٦٥] قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أعوذ بوجهك! (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) [الأنعام : ٦٥] قال : أعوذ بوجهك! (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام : ٦٥] قال : هذا أهون ، أو هذا أيسر.
قال الحافظ ابن حجر : وقد روى ابن مردويه من حديث ابن عباس ما يفسر به حديث جابر ، ولفظه : عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعا ، فرفع عنهم ثنتين ، وأبي أن يرفع عنهم اثنتين : دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض ، وألا يلبسهم شيعا ، ولا يذيق بعضهم بأس بعض ؛ فرفع الله عنهم الخسف والرجم ، وأبي أن يرفع عنهم الأخريين. فيستفاد من هذه الرواية المراد بقوله : (مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)[الأنعام : ٦٥] ، ويستأنس له أيضا بقوله تعالى : (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ)[الإسراء : ٦٨].
وروى الإمام مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه أقبل مع النبي صلىاللهعليهوسلم ذات يوم من العالية ، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية ، دخل فركع فيه ركعتين ، وصلينا معه ، ودعا ربه طويلا ، ثم انصرف إلينا فقال : سألت ربي ثلاثا ، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة ، فأعطانيها. وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق ، فأعطانيها. وسألت ربي ألا يجعل بأسهم بينهم ، فمنعنيها.
وروى الإمام أحمد من حديث أبي بصرة نحوه ، لكن قال بدل الإهلاك : ألا يجمعهم على ضلالة. وكذا الطبري من مرسل الحسن.
قال الخفاجي : فإن قلت : كيف أجيبت الدعوتان ، وسيكون خسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب؟ أي : كما رواه الترمذي وغيره؟
قلت : الممنوع خسف مستأصل لهم. وأما عدم إجابته في بأسهم ، فبذنوب منهم ، ولأنهم بعد تبليغه صلىاللهعليهوسلم ونصيحته لهم ، لم يعملوا بقوله. انتهى.
وقد روى أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذه الآية : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ ...) ، فقال : أما إنها كائنة ، ولم يأت تأويلها بعد. قال الحافظ ابن حجر : وهذا يحتمل ألا يخالف حديث جابر ، بأن المراد بتأويلها ما يتعلق بالفتن ونحوها. انتهى. أي : مما ستصدق عليها الآية ، ولما تقع بالمسلمين. فقوله : إنها كائنة ، أي : في المسلمين ، لا أنها خطاب لهم ونزوله فيهم ـ كما وهم ـ إذ يدفعه السياق والسباق وتتمة الآية كما لا يخفى.
ينظر محاسن التأويل للقاسمي (٦ / ٥٧٢ ـ ٥٧٤).