يقول : فرقا وأحزابا ، وكانت اليهود (١) والنصارى (٢) فرقا مختلفة ، اليهود
__________________
(١) اليهودية : ينسب اليهود إلى يهوذا ، أحد أولاد يعقوب الاثني عشر (الأسباط في القرآن الكريم) ويعقوب هو إسرائيل. ثم أصبحت كلمة يهودي تطلق على كل من يدين باليهودية.
وكان يعقوب (إسرائيل) قد هاجر هو وعشيرته من أرض كنعان (فلسطين وما إليها) إلى مصر حوالي القرن ١٧ ق. م. وكان عددهم سبعين نفسا ، تحت ضغط المجاعة والجفاف (سفر التكوين ، إصحاح ٤٦ فقرة ٢٧) واستقبلهم يوسف أحد أبنائه وكان (وزيرا) لدى فرعون مصر ، فأكرم وفادتهم ، وأقاموا في ناحية جاسان (وادي الطميلات بالشرقية) (التكوين : إصحاح ٤٧ فقرة ١١). وخلال ما يقرب من أربعة قرون من إقامتهم في مصر انقسم بنو إسرائيل (يعقوب) إلى اثنتي عشرة قبيلة كل منها نسبة إلى واحد من الأسباط الاثني عشر. وعند ما بعث موسى برسالة التوحيد إلى بني إسرائيل وفرعون مصر وقومه ق ١٤ ـ ١٣ قبل الميلاد تقريبا آمن بها بنو إسرائيل إلا قليلا منهم. وهنا نشأت الديانة اليهودية. وكان لا بد من الصدام مع فرعون وقومه ، فخرج بنو إسرائيل من مصر (البقرة : ٤٩ ، ٥٠) ، (طه ٧٧ ـ ٨٨) (إصحاح ١٣ ـ ١٤ من سفر الخروج) حوالي ١٢٨٠ ق. م. في عهد فرعون مصر رمسيس الثاني على ما يرجح.
وبعد خروج اليهود من مصر الفرعونية إلى الصحراء (سيناء) ، أغاروا بقيادة يوشع (خليفة موسى) على أرض كنعان ، واستقروا بها. وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكة داود (أسسها عام ٩٩٠ ق. م.) إلى مملكتين : إسرائيل في الشمال ، ومملكة يهوذا في الجنوب (٩٢٢ ق. م.) ، ونشبت بينهما حروب طويلة إلى أن دهمهم بختنصر ملك بابل حين أغار على فلسطين مرتين في ٥٩٦ ، ٥٨٧ ق. م. وأخذ عددا كبيرا منهم إلى بابل ، وظلوا هناك حوالي خمسين عاما تعرف في تاريخ اليهود بالأسر البابلي. فلما تغلب كورش ملك الفرس على البابليين (٥٣٨ ق. م.) أطلق سراح الأسرى الذين عادوا إلى فلسطين ولكن دون دولة ، إذ خضعوا للفرس ، ومن بعدهم لخلفاء الإسكندر المقدوني (أنطيوخوس) ثم إلى الرومان. وفي تلك الأثناء ترك عدد منهم فلسطين إلى جهات مختلفة في أسيا وأوربا. وفي عام ١٣٥ م أخمد الرومان في عهد الإمبراطور هدريان ثورة قام به اليهود في فلسطين هدم على أثرها هيكل سليمان وأخرج اليهود من فلسطين وكان عددهم حوالي خمسين ألفا ، وبدأت رحلة الشتات.
وقبل الشتات الكبير كان اليهود الذين غادروا فلسطين إلى أوربا استوطنوا حوض نهر الراين الشمالي والأوسط ، واجتهدوا في نشر اليهودية بين الوثنيين هناك بين الجرمان والسلاف. وبعد الشتات انتشروا في آفاق كثيرة بين أجناس مختلفة في فارس وتركستان والهند والصين عن طريق القوقاز ، وفي العراق ومصر وبرقة وشمال إفريقية ، وشبه جزيرة أيبريا (إسبانيا والبرتغال) ، والجزيرة العربية حتى اليمن ، والحبشة وفيما بعد في أجزاء من إفريقيا السوداء. وقد أدى هذا إلى اعتناق عناصر وسلالات بشرية كثيرة لليهودية. وهذا التعدد العنصري في حد ذاته ينفي مقولة : إن اليهودية قومية ، كما ينفي أيضا مقولة (معاداة السامية) التي يشهرها اليهود كلما وقعوا في كارثة ؛ لأن انتشار اليهودية على ذلك النحو أوجد أجيالا تدين باليهودية ولكن ليسوا ساميين أصلا.
وفي المجتمعات التي عاش فيها اليهود قبل الشتات الكبير وبعده ، كانوا على هامش المجتمع بسبب اختلاف عقيدتهم عن الآخرين ، ومن هنا كانوا دوما أقلية منعزلة ذاتيّا تعيش في مكان خاص (حارة ـ جيتو) ، ولم يتبوءوا مراكز الحكم ، فانصرفوا إلى النشاط الاقتصادي وسيطروا على أسواق المال والتجارة. ولما بدأ عصر الدولة القومية في القرن التاسع عشر ، بدأ يهود القارة الأوربية التفكير في وطن خاص يجمعهم وينقلهم من هامش المجتمعات التي يعيشون فيها ليصبحوا قوة مركزية ، وهو الأمر الذي تم في عام ١٩٤٨ بعد تكوين المنظمة الصهيونية العالمية بمقتضى مؤتمر بازل ـ