يشبه أن يكون قوله : (يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [أن يكون](١) أي : يكفرون بها ويستهزءون بها ؛ كما قال في سورة النساء : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) [النساء : ١٤٠] فيكون خوضهم في الآيات (٢) الكفر بها والاستهزاء بها ، ويكون قوله ـ تعالى ـ : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، أي : لا تقعد معهم ؛ كما قال : (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) [النساء : ١٤٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ).
يحتمل : النهي عن القعود معهم على ما ذكرنا من قوله : (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ).
ويحتمل الإعراض : الصفح عنهم وترك المجازاة لمساويهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) [الزخرف : ٨٩] ؛ [و] كقوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) [النساء : ٦٣] وفيه الأمر بالتبليغ فينهى عن القعود معهم والأمر بالتبليغ.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) معناه ـ والله أعلم ـ : أن الشيطان إذا أنساك القعود معهم فلا تقعد بعد ذكر الذكرى ، ومعنى النهي بعد ما أنساه الشيطان ، أي : لا تكن بالمحل الذي يجد الشيطان إليك سبيلا في ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ).
قيل (٣) فيه رخصه الجلوس معهم ؛ وهو كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنعام : ٥٢] ثم نسخ ذلك بقوله ـ تعالى ـ : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [النساء : ١٤٠] وكان النهي عن مجالستهم ليس للجلوس نفسه ، ولكن ما ذكرنا من خوضهم في آيات الله بالاستهزاء بها [والكفر بها](٤) هو الذي كان يحملهم على ذلك ، ليس ألا يجوز أن تجالسهم (٥) ، وكذلك ما نهانا أن نسبهم ليس ألا يجوز لنا أن نسبهم ، ولكن لما كان سبنا إياهم هو الذي يحملهم على سب الله.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : آيات.
(٣) ينظر تفسير البغوي مع الخازن (٢ / ٣٩٣).
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : تجالسوهم.