[المؤمنون : ٩١] ثم رآهم عبدوا الأصنام وسموها آلهة ، فتأمل فوجدها لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر ، علم أن مثلها لا يحتمل أن يكون يخلق ما ذكر ، وأن الذي ذلك فعله لعلي عظيم ، يجب طلب معرفته من العلو بما كان يسمع [نسبة](١) الملائكة إلى السماء ونزول الغيث منها ، ومجيء النور والظلمة وكل أنواع البركات وغيرها منها ، فصرف تدبير الطلب الذي نسب إليه الخلق إليها.
ثم أوّل ما أخذ في التأمل والنظر لم يقع بصره على أحسن وأبهى من الذي ذكر ، فظنه ذلك ، ثم لما قهر وقد كان علم بأن خالق من ذكر لا يجوز أن يقهر ، فمن ذلك علم أنه ليس هو وقال لمن قهر ، [و](٢) ذلك إلى أن قهر الليل ضوء الشمس ، وصار بحيث لا يجري (٣) له السلطان ، ورأى في الكل آثار التسخير والتذليل ، ولم ير فيها أعلام من [له](٤) الأمر والخلق ، فعلم أن الرب لا يدرك من ذلك (٥) الوجه ، ولا يعرف من جهة الحواس ، فرجع إلى ما سمع من أنه خلق السموات والأرض ، فوجه نفسه إليه بالعبودية ، واعترف له بالربوبية بما في الخلق من آثار ذلك ، وفي القول من تسمية من له الخلق ربا وإلها ، فآمن به ، وذلك كان أول أحوال احتماله علم الاستدلال وبلوغه المبلغ الذي من بلغه يجري عليه الخطاب ، ولا قوة إلا بالله.
ومنهم من قال (٦) : إنه كان بالغا قد جرى عليه القلم ، وقد كان رأى ما ذكر غير مرة ، لكن الله لما أراد أن يهديه ألهمه ذلك وألقاه في نفسه ، فانتبه انتباه الإنسان لشيء كان عنه غافلا من قبل ، فرأى كوكبا أحمر يطلع عند غروب الشمس ، فراعاه (٧) إلى أن أفل ، فأراد [إذن](٨) من الله قربة ، وعلم أن ربه لا يزول ولا يتغير ، ففزع إليه وقال : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) ؛ وكذا ذكر في القمر والشمس إلى أن عرف الله ، فتبرأ مما كانوا يشركون ، وتوجه (٩) بالتوحيد والعبادة إليه ؛ وإلى هذا التأويل ذهب الحسن.
الأول : روي عن ابن عباس رضي الله عنه.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : تجري.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : هذا.
(٦) ينظر تفسير الخازن (٢ / ٤٠٢).
(٧) في أ : فرآه.
(٨) سقط في أ.
(٩) في ب : ووجه.