قول من يقول بأن إبراهيم كان غير مؤمن في ذلك الوقت و [لا](١) عارفا بربه ؛ لأنه أخبر أنه آتاه حجته على قومه ، ولو كان هو على ما قالوا لكانت الحجة التي آتاه عليه ، فلما أخبر أنه آتاه حجته على قومه ، دل أنه ليس على ما قالوا ، ولكن كان عارفا بربه مخلصا له على ما سبق ذكره.
فإن قال قائل : إن الحجة التي أخبر أنه آتاها إبراهيم على قومه [هي](٢) قوله : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ ...) إلى آخر ما ذكر.
فيقال : إن هذه ليست بمحاجة ، إنما هو تقرير التوحيد والدين.
ألا ترى أنه قال : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) [الآية](٣) والمحاجة ما ذكر في قوله : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) [الأنعام : ٧٦] وقوله : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٧٩] وغيرها من الآيات التي فيها وصف توحيد الربّ ـ عزوجل ـ وألوهيته وفساد آلهتهم ، من ذلك قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٥ ـ ٩٦] ، وقوله : (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) [مريم : ٤٢] ، وقوله (٤) : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ...) [الشعراء : ٧٢] إلى قوله : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء : ٨٠].
وفيه دليل نقض قول المعتزلة ؛ لأنه قال : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) والإيتاء هو الإعطاء ، والنجوم والشمس ، والقمر وما ذكر قد كانت ؛ دل أن الذي آتى إبراهيم هو محاجته قومه بما ذكرنا واحتجاجه عليهم بذلك ؛ دل أن له في محاجة إبراهيم قومه صنعا حيث أضافها إلى نفسه ، وهو أن خلق محاجته قومه ، وبالله العصمة.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) : الذين كانوا يعبدون الأصنام والأوثان ، وهو ما بين سفههم في عبادتهم الأصنام ، حيث قال في غير آية وعلى نمرود حين قال : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ...) إلى آخر الآية [البقرة : ٢٥٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ).
فيه ـ أيضا ـ دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله قد شاء لكل أحد أن يبلغ المبلغ الذي إذا بلغ ذلك يصلح للنبوة والرسالة ، لكنهم شاءوا ألا يبلغوا ذلك المبلغ ،
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : أو قوله.