لما نزلت هذه الآية : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) شق ذلك على المسلمين فقالوا : يا رسول الله ، فأينا لا يظلم نفسه؟! قال : «ليس ذلك إنما هو الشرك ، أو لم تسمعوا ما قال لقمان (١) لابنه : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣]».
وعن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال لأصحابه : ما تقولون في هاتين الآيتين : (الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) [فصلت : ٣٠] ، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ)؟ فقالوا : (الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) : ثم عملوا له واستقاموا على أمره ، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) ، أي : لم يذنبوا فقال : لقد حملتمونا على أمر شديد ، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) : بشرك ، (الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) : عليها فلم يعدلوا عنها بشرك ولا غيره (٢).
فإن ثبتت هذه الأخبار فهو ما ذكر فيها أن الظلم هو الشرك ، وإلا احتمل الظلم ما دون الشرك أن من لم يظلم ولم يذنب [فهو في أمن](٣) من الله ، ومن ارتكب ذنبا أو ظلما فله الخوف ، وهو في مشيئة الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له وعفا عنه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ...) الآية : ينقض (٤)
__________________
ـ (١ / ١١٤ ـ ١١٥) كتاب الإيمان باب صدق الإيمان وإخلاصه (٩٧ / ١٢٤) ، وابن جرير (٥ / ٢٥٠ ـ ٢٥١) (١٣٤٨٠ ، ١٣٤٨٢ ، ١٣٤٨٣ ، ١٣٤٨٤).
(١) قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي في كتاب العرائس في القصص كان لقمان مملوكا وكان أهون مملوكي سيده عليه قال وأول ما ظهر من حكمته أنه كان مع مولاه فدخل مولاه الخلاء فأطال الجلوس فناداه لقمان أن طول الجلوس على الحاجة تتجع منه الكبد ويورث الباسور ويصعد الحرارة إلى الرأس فاقعد هوينا وقم فخرج مولاه وكتب حكمته على باب الخلاء وروي أنه كان عبدا حبشيا نجارا وقال الثعلبي : وقال أبو هريرة رضي الله عنه مر رجل بلقمان والناس مجتمعون عليه فقال ألست العبد الأسود الذي كنت تراعينا بموضع كذا قال بلى قال فما بلغ بك ما أرى قال صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني قال وعن لقمان أنه قال ضرب الوالد ولده كالسماد للزرع وقال لقمان لابنه من يقارن قرين السوء لا يسلم قال ومن لا يملك لسانه يذم يا بني كن عبدا للأخيار يا بني كن أمينا تكن غنيا جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم خذ منهم إذا ناولوك والطف بهم في السؤال ولا تضجرهم إن ما تأذيت به صغيرا انتفعت به كبيرا كن لأصحابك موافقا في غير معصية ولا تحقرن من الأمور صغارها فإن الصغار غدا تصير كبارا إياك وسوء الخلق والضجر وقلة الصبر إن أردت غنى الدنيا فاقطع طمعك مما في أيدي الناس. وحكمه كثيرة مشهورة.
ينظر تهذيب الأسماء (٢ / ٧١ ـ ٧٢).
(٢) أخرجه ابن جرير بنحوه (٥ / ٢٥٢) (١٣٤٨٨) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٩) وزاد نسبته للفريابي وابن أبي شيبة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه.
(٣) في ب : فهو آمن.
(٤) في ب : تنقض.