__________________
ـ ذكر كفروض الكفاية من الإمامة ، والأذان ، وتعليم القرآن وقراءته وتجهيز الميت ، ونحوها ، فإنه تصح الإجارة على فعلها ؛ لأن فروض الكفاية ليست مطلوبة من شخص بعينه ، وهذا ما لم يتعين على شخص بأن لم يوجد غيره يقوم بها ، فإنه لا يصح أن يأخذ أجرا عليها.
وثانيا : أن الشافعية قسموا القرب إلى قسمين من حيث وجوب النية في فعلها وعدم وجوبها ثم قالوا : إن كل عبادة لا بد لصحتها من نية لا تقبل النيابة فلا تصح الإجارة على أدائها كالصلاة وما يتعلق بها كالإمامة سواء كانت الصلاة فرضا أم نفلا ، ولو كانت صلاة جنازة لتمحضها للعبادة ، وشبهها بالصلاة المفروضة عينا وكذلك الحكم عندهم في الإجارة على الحج عن الصحيح القادر والصوم عن الحي.
وإن كل ما لا يحتاج إلى نية يقبل النيابة ، فالإجارة على فعله جائزة كغسل الميت ، وتجهيزه ، ودفنه ، وتعليم القرآن والأذان ، وما إلى ذلك من كل شعار ديني لم تتوقف صحته على نية ؛ لأنه لم يقصد بهذه الأعمال اختبار شخص معين بأصل الخطاب بها ، وكذلك جوزوا الإجارة على فعلها ولو تعينت مراعاة لأصل الخطاب.
وإنما لم تجز الإجارة عندهم على الجهاد ، وإن لم يخاطب به شخص بعينه ؛ لأن الخطاب به ، وإن كان شائعا في الأصل يحتمله وغيره ، لكنه بحضور الصف يتعين عليه ، فلا يكون قابلا للنيابة ، فلا يصح أخذ الأجرة عليه.
وثالثا : أن متقدمي الحنفية كالإمام أبي حنيفة وصاحبيه يرون أن كل طاعة يختص فاعلها أن يكون مسلما لا يجوز الاستئجار على فعلها سواء أكانت فرضا ، أم نفلا أم واجبا ، وسواء أكان كل من الفرض والواجب عينيا أم كفائيا.
وهكذا نرى المتقدمين منهم يمنعون الإجارة في العبادات التي لم تتمحض للمالية ، فيدخل في ذلك البدنية الصرفة كالصلاة ، والصوم ، والإمامة ، والأذان وتعليم القرآن وكل عبادة لا شائبة للمال فيها ، كما يدخل في ذلك العبادة المركبة من المالية والبدنية كالحج ، فإنه لا يصح الاستئجار عندهم على أدائه.
وإنما جوزوا الحج عن العاجز على سبيل النيابة لا الإجارة.
وأما متأخروهم فإنهم جوزوا الاستئجار على تعليم القرآن والإمامة ، والأذان والإقامة ، والوعظ ، دون غيرها ، بحجة أن الناس قد تهاونوا في أداء هذه المهام حسبة لله تعالى لاشتغالهم بأمور المعاش فأخذهم الأجرة عليها يحفزهم على القيام بها والمحافظة عليها قالوا وإنما كره المتقدمون الإجارة عليها لأنه كان للقائمين بها أرزاق منظمة يأخذونها من بيت المال مع رغبة الناس الأكيدة يومئذ في المحافظة على شعائر الدين ثم قالوا : أما في زماننا فليس لهم أرزاق ، وإن كانت فهي بحيث لا تفي بحاجاتهم الدنيوية يضاف إلى ذلك أنهم لو اشتغلوا بها لتعطل عليهم أمر المعاش والحاجة شديدة إليه وقد قلت رغبة الناس في أداء هذه الأعمال حسبة لله.
فلذلك قلنا بجواز أخذ الأجرة على ما ذكرنا وبقى ما عداه على أصل الحظر.
ورابعا : أنه قد روي للحنابلة في ذلك روايتان : إحداهما توافق ما ذهب إليه متقدمو الحنفية من منع الاستئجار على القرب التي يشترط إسلام فاعلها ، والأخرى جواز الاستئجار عليها إن تعدى نفعها فاعلها كالإمامة والأذان ، والحج عن الغير وتعليم القرآن.
فهذه مذاهب الأئمة رحمهمالله في الإجارة على القرب :
ويمكننا أن نخرج فيها بأنهم اتفقوا على منع الاستئجار على كل عبادة بدنية ، ولو كان للمال فيها شائبة ، كالصلاة ، والصيام ، والحج عن الصحيح القادر. ـ