وذكر في بعض القصة أنها نزلت في شأن مالك بن الصيف (١) ، وكان من أحبار اليهود ، وكان سمينا فدخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هل تجد في التوراة أن الله يبغض كل حبر سمين؟ قال (٢) : نعم ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : فأنت حبر سمين يبغضك الله ، فغضب فقال : ما أنزل الله على بشر من شيء أنكر الرسل والكتب جميعا ، فأكذبه الله تعالى ، وأظهر نفاقه عند قومه (٣) ، فقال : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) ، قيل (٤) : تجعلونه قراطيس ، يعني : صحفا ، أي : كتبتموه في الصحف ، ثم تنكرون أنه ما أنزل الله على بشر من شيء ، أي : ما الذي كنتم (٥) كتبتموه (٦) إن لم ينزل الله على بشر من شيء (تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) ، يقول (٧) : تظهرون من الصحف ما ليس فيه صفة رسول الله ونعته صلىاللهعليهوسلم وتخفون ما فيه صفته ونعته وتغيرون.
وقيل (٨) : (تُبْدُونَها) أي : تظهرون قراءتها (وَتُخْفُونَ كَثِيراً) مما فيه نعته صلىاللهعليهوسلم أو (٩) : ما فيه من الأحكام التي لا تطيب بها أنفسهم من أمر الرجم (١٠) والقصاص (١١) وغير ذلك.
__________________
(١) مالك بن الصيف من أحبار اليهود الأشرار كان عدوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم معاندا متعنتا كافرا ، ينظر البداية والنهاية للحافظ ابن كثير (٣ / ٢٩٠).
(٢) في ب : فقال.
(٣) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣) (١٣٥٣٩) عن سعيد بن جبير مرسلا ، و (١٣٥٤٠) عن عكرمة ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٤) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (١٣٥٥٠) وزاد نسبته لابن المنذر عن عكرمة.
(٤) قال أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ١٨١) أي أوراقا وبطائق ، وقال البغوي في تفسيره مع الخازن (٢ / ٤١١) أي تكتبون عنه دفاتر وكتبا مقطعة تبدونها.
(٥) في أ : كتبتم.
(٦) في ب : كتمتموه.
(٧) في ب : تقولون.
(٨) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٦٥) عن عكرمة ، ومجاهد بنحوه وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٤) وعزاه لابن المنذر عن ابن جريج.
(٩) في أ : أي.
(١٠) الرجم في اللغة : الرمي بالحجارة. ويطلق على معان أخرى منها : القتل. ومنها : القذف بالغيب أو بالظن. ومنها اللعن ، والطرد ، والشتم والهجران.
وفي الاصطلاح هو رجم الزاني المحصن بالحجارة حتى الموت.
قال ابن قدامة : لا خلاف بين الفقهاء في وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلا كان أو امرأة.
وقد ثبت الرجم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله وفعله ، في أخبار تشبه التواتر. وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
قال ابن قدامة : لا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج ، فإنهم قالوا : الجلد للبكر والثيب لقول الله ـ