أحدهما : لأنها متقدمة ، ومنها : دحيت الأرض على ما ذكر أهل التأويل.
والثاني : سميت : أم القرى ؛ لأنها مقصد الخلق في الحج ، وفيها تقضى المناسك (١) ، وإليها يقصدون ويأمون ، وإليها يتوجهون في الصلوات ، وهي مقصد أهل القرى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) أي : أهل أم القرى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ).
فإن قيل : أخبر أن من آمن بالبعث يؤمن بهذا الكتاب ، وأهل الكتاب يؤمنون بالبعث ولا يؤمنون به ، فما معناه؟
قيل (٢) : يحتمل هذا وجوها :
أحدها : أن يكون هذا في قوم مخصوصين إذا آمنوا بالبعث آمنوا به ؛ كقوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [يس : ١٠] ، هذا في قوم مخصوصين ؛ لأنه قد آمن كثير منهم بالإنذار ؛ فعلى ذلك الأول.
والثاني : قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) بالعلم والحجج آمنوا بالقرآن ؛ لأن القرآن جاء في تأييد حجج البعث وتأكيده ، فلا يجوز أن يؤمنوا بما يؤيده القرآن ولا يؤمنوا بالقرآن.
والثالث : يحتمل أن يكون إخبارا عن أوائلهم : أنهم كانوا مؤمنين بالبعث بالآيات والحجج راغبين فيه ، فلما جاء آمنوا به.
وأمكن أن تكون الآية في المؤمنين ، أخبر أنهم آمنوا بالآخرة وآمنوا بالقرآن ؛ ألا ترى (٣) أنه قال : (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ).
ويحتمل [أن](٤) الذين يؤمنون بالآخرة يحق لهم أن يؤمنوا بالقرآن ؛ لأنه به يتزود للآخرة.
ويحتمل [غير] ما ذكرنا من الوجوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً).
هذا في الظاهر استفهام وسؤال لم يذكر له جواب ، لكن أهل التأويل فسروا فقالوا : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا ، وهذا جواب له [ليس](٥) هو تفسيره ، لكن ترك ذكر
__________________
(١) المناسك : جمع منسك بفتح السين وكسرها وهي عبادات الحج وأماكنها وأصل النسك العبادة مطلقا من حج وغيره غير أنه قد صار علما بالغلبة التحقيقية على الحج والعمرة ، ينظر حاشية الشرقاوي على التحرير (١ / ٤٥٨) وعمدة الحفاظ (٤ / ١٩٧).
(٢) ينظر تفسير أبي حيان الأندلسي (٤ / ١٨٣).
(٣) في ب : يرى.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.