ولم يكونوا يومئذ يعرفون التوحيد والبعث ، كانوا كلهم كفارا عبدة الأوثان والأصنام لا يحتمل أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألّف ذلك وأنشأه من ذات نفسه ؛ ليعلم أنه إنما عرف ذلك بالله.
وفيه دلالة إثبات المحاجة في التوحيد والمناظرة فيه ؛ لأن أكثرها نزلت في محاجة أهل الشرك ، وهم كانوا أهل شرك ، وينكرون البعث والرسالة ، فتنزل أكثرها في محاجتهم في التوحيد (١) وإثبات البعث والرسالة.
وفيه أنه إذا ثبت فساد قول أحد الخصمين ، ثبت صحة قول الآخر ؛ لأن إبراهيم لما قال : (هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) [الأنعام : ٧٦] أثبت فساد عبادة من يعبد الآفل بالأفول (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) يحتمل الحق : الآيات التي كان يأتي بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم من آيات التوحيد وآيات البعث.
ويحتمل القرآن ، ولو لم يكن يأتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بآية كانت نفسه آية عظيمة من أول نشأته (٣) إلى آخر عمره ؛ لأنه عصم حتى لم يأت منه ما يستسمج (٤) ويستقبح (٥) قط ؛ فدل أن ذلك إنما كان لما جعل (٦) آية في نفسه ، وموضعا لرسالته ، وعلى ذلك تخرج إجابة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في أول دعوة دعاه إلى ذلك لما كان رأى منه من آيات ، فلما دعاه أجابه في ذلك مع ما كان معه [من](٧) آيات عظيمة ، وأعلام عجيبة (٨).
__________________
(١) في ب : بالتوحيد.
(٢) الأفول : الغيبوبة تكون في الكواكب ، يقال : أفل ، يأفل ويأفل : إذا غاب ، يقال : أفل النجم ، وأفلت الشمس قال البحتري :
قمر أتبعته من كلف |
|
نظر الصب به حتى أفل |
ويقال : أفل نجم فلان : خاب سعيه وساء حظه ، وفي الأساس : فلان كعبه سافل ونجمه آفل.
ينظر : عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي (١ / ١٠٨) ، والمعجم الكبير الصادر عن مجمع اللغة العربية (١ / ٣٧٤) ، تاج العروس (٢٨ / ٧).
(٣) في أ : نشأة.
(٤) سمج الشيء بالضم يسمج سماجة : قبح ، ولم يكن فيه ملاحة ينظر تاج العروس (٦ / ٤٤). قلت : معاذ الله أن يصدر من سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما يستقبح ويستسمج ، كيف ذلك وخلقه القرآن وقد أنزل الله في محكم التنزيل قرآنا يتلى إلى يوم القيامة فقال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم : ٤]
(٥) القبح : ضد الحسن يقال : أقبح فلان : أتى بقبيح ، واستقبحه : رآه قبيحا ، وهو ضد استحسنه. ينظر : تاج العروس (٧ / ٣٥ ـ ٣٦) ، لسان العرب (قبح).
(٦) في ب : جعله.
(٧) سقط في ب.
(٨) روى البيهقي عن ابن إسحاق أن أبا بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أحقّ ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا وتسفيهك عقولنا وتكفيرك إيانا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بلى إني ـ