أن يكون صلة قوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ثم قوله : كذلك](١)(جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) ، قال الحسن : إن من حكم الله أن بعث رسلا ، وأن كل من اتبع رسله يكون وليا له ، ومن عصى رسله يكون عدوا له ، هذا حكم الله في الكل.
وقال جعفر بن حرب والكعبي وغيرهما من المعتزلة : إن قوله : (جَعَلْنا) ، أي : خلينا بينهم وبين ما اختاروا من الكفر والعداوة ، يقال : جعل فلان كذا إذا كان مسلطا على ذلك ، وهو يقدر أن يمنعه عن ذلك ؛ ويصير التأويل على قول المعتزلة ، أي : لم نجعل لكل نبي عدوّا ؛ ولكن هم جعلوا أنفسهم أعداء لكل نبي.
وقلنا نحن : إن قوله : (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) ، أي : خلقنا لكل نبي عداوة كل عدو ، والجعل من الله : هو الخلق ؛ كقوله : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) [الأنبياء : ٣٢].
وقوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) [الإسراء : ١٢].
وقوله : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) [الزخرف : ١٠].
كل جعل أضيف إلى الله فهو خلق ؛ فعلى ذلك قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) ، أي : خلقنا لكل نبي عداوة كل عدو ، ولو كان الحكم على ما قال الحسن ، وما قال أولئك من التخلية لكان يجوز أن يضاف فعل الكفر وفعل الضلال إلى الله ، وذلك بعيد.
والثاني : لم يوفق لهم فعل الولاية ؛ لما علم منهم أنهم يختارون فعل العداوة على فعل الولاية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً).
اختلف فيه :
قال بعضهم (٢) : الشياطين كلهم يكونون من الجن ، ثم إنهم يوحون (٣) إلى الإنس ؛ فيكونون هم الذين يدعون الخلق إلى معصية الله ؛ فيكون من الجن وحيا إلى الإنس ، ومن الإنس إلى الخلق قولا ودعاء.
وقال بعضهم : يكون من الجن شياطين ، [ومن الإنس شياطين](٤) تدعو (٥) شياطين
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣١٤) (١٣٧٦٩ ، ١٣٧٧١) عن السدي بنحوه ، و (١٣٧٧٠) عن عكرمة بنحوه ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧٣ ـ ٧٤) وعزاه لابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ عن ابن عباس بنحوه ، وينظر تفسير البغوي ، والخازن (٢ / ٤٣١).
(٣) في ب : يرجعون.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : يدعو.