قيل : من قبيل (١) أن الذبيحة إذا تعمد صاحبها ترك التسمية عليها إنما حرمت بنص القرآن ؛ لأنه فسق فقلنا : متى زال الفسق عن الذابح زال التحريم عن الذبيحة ؛ لأن التحريم إذا وقع لعلة ، فزالت العلة ـ زال التحريم ، ولم نقل : إن صلاة التارك للتكبيرة الأولى فسدت صلاته ؛ لأنه فسق بتركه (٢) التكبيرة عمدا ؛ فيلزمنا أن نفرق بين سهوها وعمدها ؛ بل فسدت صلاته لأنه صلى بغير تكبير ؛ فالتارك للتكبير عامدا أو ساهيا : تارك ؛ فهما سواء ، وروى في الخبر ما يؤيد ما قلنا : روى عن راشد بن سعد (٣) قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ذبيحة المسلم حلال سمى أو لم يسم ما لم يتعمد» (٤).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في رجل ذبح ونسي أن يذكر اسم الله ، قال : «اسم الله في قلب كل مسلم ؛ فليأكل» (٥).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ).
أهل التأويل صرفوا تأويل هذا إلى أن زخرف القول الذي يوحي بعضهم [إلى بعض](٦) في الآية الأولى هو مجادلتهم في الذبيحة ؛ حيث قالوا : ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه ، وما قتل الله فلا تأكلونه؟! يعنون : فتلك مجادلتهم إياهم ، ولكن يجادلون في هذا [في](٧) وحدانية الله ـ تعالى ـ وفي إثبات الرسالة ، والبعث بعد الموت ، وفي كل شيء ؛ حيث قالوا : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [المؤمنون : ٨٢] : فأخبر أنهم لو أطاعوهم إنهم لمشركون أي : لو أطعتموهم فيما يجادلونكم ويوحون إليكم (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).
__________________
(١) في أ : قال.
(٢) في ب : بترك.
(٣) راشد بن سعد المقرائي ويقال : الحبراني ، الحمصي ، روى عن : أنس بن مالك ، وثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخلق ، روى عنه : حبيب بن صالح ، وصفوان بن عمرو ، وثور بن زيد وخلق. قال محمد بن سعد : كان من أهل حمص ، وكان ثقة ، مات سنة ثمان ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك.
ينظر : تهذيب الكمال (٩ / ٨ ـ ١١) الطبقات (٧ / ٤٥٦) عمدة القاري (١٤ / ٣٥).
(٤) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧٩) وعزاه لعبد بن حميد عن راشد بن سعد.
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في سننه (٩ / ٢٤٠) ، والدار قطني (٥٤٩) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧٩) وعزاه لابن عدي والبيهقي وضعفه عن أبي هريرة.
(٥) أخرجه البيهقي (٩ / ٢٤٠) ، وقال الحافظ في الفتح (٩ / ٥٣٧) : سنده صحيح. وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧٩) وعزاه للبيهقي عن ابن عباس.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في ب.