وهذا أصلنا : أن من لم يعود نفسه فعلا يعذر في تركه وارتكابه في حال السهو والنسيان؟! كالأكل في شهر رمضان ناسيا (١) ؛ لأنه عود نفسه الأكل والشرب ، والصوم (٢) هو الكف عما اعتاد ؛ فعذر في التناول منه والعود إلى العادة على السهو ؛ لأنه يشتد على الناس حفظ النفس (٣) على خلاف العادة ، ولأن الله ـ تعالى ـ قال : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ، ولا خلاف في أن من نسي أن يسمي الله على ذبيحة ـ فليس بفاسق ؛ وإنما يفسق من تركها عامدا ؛ فدل أن الخطاب بالآية رجع إلى الذبيحة التي تركت التسمية [عليها] عمدا.
فإن قيل : ليس يجوز أن يكون قوله : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) : يريد به أن الذي يأكل منها إذا لم يسم الله عليها عامدا أو ساهيا ـ فاسق ، وإن كان هذا هو التأويل ؛ فالآية على الأكل (٤) ، [الدليل](٥) على [أن](٦) قوله : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [إشارة إلى الذبيح الذي ترك ذكر اسم الله عليه عمدا ، دون أن يكون ذلك](٧) إشارة إلى أن الأكل من تلك الذبيحة فسق ـ قول الله ـ تعالى ـ : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [الأنعام : ١٤٥] : فكان الإهلال بالذبيحة لغير الله فسقا لمن فعله ؛ فوجب أن يكون ترك اسم الله على الذبيحة فسقا ممن تعمده ، وذلك يوجب أن يكون قول الله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) خاصّا في المتعمد لترك التسمية.
فإن قيل : كيف لم تجعلوا (٨) تارك التسمية ناسيا كتاركها عمدا ؛ كما قلتم في التكبيرة الأولى في الصلاة : إن عمده وسهوه سواء (٩)؟
__________________
ـ ينظر مغني اللبيب (١ / ١٤٤) بتحقيق العلامة محمد محيي الدين عبد الحميد.
ويجوز أن يكون الرفع وقع سهوا من الناسخ وذلك لأن الغالب في المضارع بعد حتى النصب.
(١) وذلك لقوله صلىاللهعليهوسلم «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» متفق عليه من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في الصحيح (٤ / ١٥٥) في كتاب الصوم باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا حديث (١٩٣٣) ومسلم (٢ / ٨٠٩) في كتاب الصيام باب أكل الناسي وشربه حديث (١٧١ / ١١٥٥) ..
فنص عليهالسلام على الأكل والشرب ويقاس عليهما كل ما يبطل الصوم.
(٢) في ب : فالصوم.
(٣) في ب : السهو.
(٤) في ب : الكل.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.
(٨) في أ : يجعلوا.
(٩) ينظر : أحكام القرآن للجصاص (٣ / ١٠ ـ ١٣) ، درر الحكام (١ / ٢٧٨).