محرمة من بعد.
وقال بعضهم من أهل التأويل قوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) : حين قالوا : ما قتلتم وذبحتم أنتم فتأكلونه ، وما قتل ربكم فتحرمونه ، وأنتم تعظمون ربكم؟! وهو من زخرف القول الذي يوحي بعضهم إلى بعض ما ذكر (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ).
لكنا نقول إن ما ذبح وقتل [هو ذبيح بالله](١) وقتيل به أيضا ؛ فقد أذن لنا بأكل بعض الذبيح وحرم أكل بعض ، ولله أن يفعل ذلك ، له أن يأذن في أكل بعض وتحريم أكل بعض ، على ما أذن لنا في أكل بعض ما خلق الله من الأنعام ولم يأذن في أكل بعض ؛ فعلى ذلك قد أذن في أكل بعض ما ذبح به وقتل ولم يأذن في بعض ، وهو كله ذبيح بالله وقتيل به ، وله ذلك.
والثاني : أن الخلق كله له ملكه ، ولا يقال لأحد في ملكه : لم فعلت ذا؟ ولم تفعل ذا؟ إنما يقال ذلك في غير ملكه : كشريك يقول لشريكه : لم تعطني حقي ، ولم توفر على نصيبي ، فأما أن يقول في ذي ملك في ملكه فلا.
والثالث : ما ذكرنا : أنه تعبدنا بذكر اسم الله عليه [فكان في ذكر اسم الله عليه](٢) إقامة عبادة ؛ لذلك لم يجز هذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ، أخبر أنه (٣) ما لم يذكر اسم الله عليه فسق ، كما أخبر أن التناول من الميتة وما أهل لغير الله به فسق ، والفسق : هو الخروج عن أمر الله ، والذي ترك ذكر اسم الله عليه : خارج عن أمر الله ـ تعالى ـ كالميتة التي ذكرنا ، فإن قال قائل : إن قول الله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ؛ فكيف يجوز لكم أن تطلقوا أكل الذبيحة إذا ترك ذكر اسم الله ناسيا؟! [قيل الخطاب بهذا لم يرجع إلى الذبيحة التي ترك ذكر اسم الله عليها ناسيا](٤) لأن الذبائح إنما هي من عمل القصّابين (٥) والصبيان ؛ فهم لم يعودوا أنفسهم ذكر اسم الله حتى يؤاخذوا (٦) بها على حفظ ذلك.
__________________
(١) في أ : ذبيح الله.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : أخبر أن.
(٤) سقط في أ.
(٥) القصاب : الجزار ، وقيل سمي القصاب قصابا ؛ لتنقيته أقصاب البطن. ينظر تاج العروس (قصب) (٤ / ٤٢).
(٦) في أ : يؤاخذون ورد الفعل مرفوعا بعد (حتى) وهو جائز على قول الكوفيين الذين لا يجيزون عمل (حتى) في الأفعال لأنه قد ثبت أنها تخفض الأسماء ، وما يعمل في الأسماء لا يعمل في الأفعال. ـ