يمكروا [فيها](١) ، لكنهم مكروا فيها لما ذكرنا.
لكن قوله : (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) ليكون أدعى وأظهر للحجج ؛ لأنه لو كان بعث الرسل أكابر لكان الناس يتبعون الأكابر وإن لم يأتوا بالحجج وغيرهم لا يتبعون إلا بالحجج والآيات.
ومنهم من يقطع (٢) قوله : (لِيَمْكُرُوا فِيها) عن قوله : (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ) ، يقول : معناه : وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر ، ثم قال : (لِيَمْكُرُوا فِيها) ، أي : ما جعل ذلك لهم ليمكروا.
ومنهم من يقول : هو إخبار [عمّا](٣) إليه صار أمرهم ؛ كقوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] : وهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا ؛ إنما التقطوه ليكون لهم وليّا ، لكنه لما صار في العاقبة عدوا لهم أخبر عما آل إليه أمره ؛ فعلى ذلك قوله : (لِيَمْكُرُوا فِيها) : أخبر عما إليه صاروا من المكر.
وعندنا : لا يخلو هذا إما أن يقال : إنه يخلقهم لغير المكر والضلال ، وهو يعلم [أنهم](٤) لا يكونون لما يخلقهم ؛ فذلك ليس فعل حكيم : أن يعمل عملا يعلم أنه لا يكون ، نحو : من يبني بناء يعلم أنه لا يسكن ، أو يقصد قصد موضع يعلم أنه لا يصل إليه ؛ فهو بالقصد عابث ليس بحكيم ؛ فعلى ذلك الله ـ سبحانه ـ لا يجوز أن يخلقهم للهدى والعبادة له مع علمه أنهم لا يكونون لما يخلقهم ، أو أن (٥) يخلقهم لذلك وهو لا يعلم أنهم يكونون كذلك ؛ فهو جهل بالعواقب ؛ فالله يتعالى عن ذلك ؛ فدل أنه خلقهم ليكونوا على ما علم أنهم يكونون ويختارون ذلك.
وقوله : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] : كان عند الله أنهم يلتقطونه ليكون لهم عدوّا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ).
أي : ما يشعرون أن عاقبة مكرهم ترجع إليهم أو واقع (٦) فيهم.
وأصله أن الله ـ تعالى ـ جعلهم وخلقهم على ما علم منهم أنهم يختارون ويكون
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر تفسير الخازن (٢ / ٤٣٩).
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : وأن.
(٦) في أ : وواقع.